وأما ليس: فمذهب سيبويه وأبي علي وبان برهان جواز تقديم خبرها عليها، بدليل جواز تقديم معمول خبرها عليها في نحو قوله تعالى: (ألا يوم يأتيهم ليس مصروفًا عنهم) هود /٨. ولتفسيره عاملا فيما اشتغلت عنه بملابس ضميره، كقولهم: (أزيدًا لست مثله). حكاه سيبويه.
وذهب الكوفيون والمبرد وابن السراج إلى منع ذلك، قاسوها على عسى ونعم وبئس وفعل التعجب.
قال السيرافي: (بين ليس وفعل التعجب ونعم وبئس فرق، لأن ليس تدخل على الأسماء كلها: مظهرها ومضمرها، ومعرفتها ونكرتها، ويتقدم خبرها على اسمها. ونعم وبئس لا يتصل بهما ضمير المتكلم، ولا العلم، وفعل التعجب يلزم طريقة واحدة، ولا يكون فاعله إلا ضميرًا، فكانت ليس أقوى منها).
قلت: وبين (ليس وعسى) فرق، لأن عسى متضمنة معنى ما له صدر الكلام، وهو معنى الترجي، في نحو: (لعل وليس) بخلاف ذلك، لأنها دالة على النفي وليس هو في لزوم صدر الكلام كالترجي، لأن النفي، وإن لزم صدر الكلام فيما لم يلزمه فيما عداها. فلا يلزم من امتناع التقديم على هذه الأفعال امتناع تقديم خبر ليس عليها.
واعلم أن من الخبر ما يجب تقديمه في هذا الباب، كما يجب في باب المبتدأ، والخبر، وذلك نحو: كم كان مالك؟ وأين كان زيد؟ وآتيك ما دام في الدار صاحبها، قال الله تعالى: (وما كان جواب قومه إلا أن قالوا) الأعراف /٨٢. ومنه ما يجب تأخيره، نحو: كان الفتى مولاك، وما زال غلام هند حبيبها، وما كان زيد إلا في الدار.
وقوله:
........................ ... وذو تمامٍ ما برفعٍ يكتفي
إشارة إلى أن من هذه الأفعال ما يجوز أن يجري على القياس، فيسند إلى الفاعل، ويكتفي به، وتسمى حينئذ تامة بمعنى: أنها لا تحتاج إلى الخبر، وذلك نحو قوله تعالى: (وإن كان ذو عسرةٍ فنظرة إلى ميسرة) البقرة /٢٨٠، وقوله تعالى: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون) الروم /١٧، وقوله تعالى: (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض) هود / ١٠٧ - ١٠٨.