سورة البقرة ٢: ٩٠
{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ}:
{بِئْسَمَا}: بئس من أفعال الذم. ما: نكرة؛ أي: بئس الشيء، الذي اشتروا به أنفسهم، وبئس الذي اشتروا به أنفسهم؛ أي: باعوا أنفسهم، واشتروا الكفر، بعد أن رفض اليهود الإيمان برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وطردهم الله من رحمته. يُقبح الله -عز وجل- سلوكهم؛ إذ باعوا أنفسهم رخيصة، باعوها بالكفر، فلم يؤمنوا بالقرآن ونبيه -صلى الله عليه وسلم-.
{بَغْيًا}: والبغي: هو أخذ حق الغير بقوة، وقهر، وتعسف يعني: التعدي والظلم المؤدي إلى الفساد، والحسد: هو تمني زوال النعمة عن المحسود؛ فهذا ظلم للمحسود وبغياً عليه، والمحسود هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن تنزل عليه الرسالة من بينهم؛ إذ كانوا يظنون أنهم أحق بها؛ لأنهم ورثوا كل الرسالات السابقة. وقد فوجئوا بأنه ليس منهم؛ فملأ الحسد قلوبهم، وأعلنوا مقاومتهم وعصيانهم.
{أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}: أي: الوحي، وبالتالي النبوة، والكتاب، فاختيار الرسل فضل من الله سبحانه.
{عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}؛ أمثال: محمّد -صلى الله عليه وسلم-، أو الأنبياء، والرسل من قبله، حسب ما تقتضيه حكمته سبحانه.
{فَبَاءُوا بِغَضَبٍ}.
{فَبَاءُوا}: الفاء؛ للتوكيد. باؤوا: استحقوا، ورجعوا. {بِغَضَبٍ}: الباء: للإلصاق، بمعنى: لزمهم الغضب، ولحق بهم، وهو أشد اللعن، ولم يفارقهم.
واستعمال الغضب، في صفات الله؛ مجاز، وحقيقته إيجاب العقاب على المغضوب عليه.
{بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ}: والتنكير؛ للتعظيم.
فالغضب الأول: هو لأنهم لم ينفِّذوا ما جاء في التّوراة، ولأنهم حرَّفوها. وقيل: لعبادتهم العجل. وقيل: بسبب كفرهم بعيسى والإنجيل.
والغضب الثّاني: بسبب كفرهم بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، والقرآن، رغم أنه مذكور عندهم في التّوراة، ومطلوب منهم أن يؤمنوا به.
{وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ}: وللكافرين؛ اللام لام الاختصاص، والاستحقاق. (الكافرين)؛ الّذين أصبح الكفر صفة ثابتة عندهم، واستمروا عليه.
{عَذَابٌ مُّهِينٌ}: شديد الألم؛ مرفوق بالإهانة، والذل؛ لكونه أمام النّاس، أو أمام أتباعهم.