سورة الأعراف ٧: ١٣٨
{وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إِسْرَاءِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}:
{وَجَاوَزْنَا}: أيْ: مكّناهم من عبور البحر الأحمر، وساروا مسافة بعدها.
جاوز الشيء إلى غيره: قطعه، وخلفه وراءه.
{فَأَتَوْا}: الفاء: للتعقيب، والمباشرة.
{فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ}: قدِموا ومرُّوا على قوم يعكفون؛ أيْ: يقيمون على أصنام لهم. من عكف: يقيم إقامة لازمة، أو عكف على الشيء: واظب على الشيء، ولم يتركه.
{عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ}: أيْ: يعبدون أصناماً، ويقيمون، أو يواظبون على عبادتها، والأصنام: هي أجسام لها صورة الإنسان أو الحيوان مصنوعة من خشب أو معادن فالذهب أو الفضة أو النحاس أو حجارة تمثل أشخاصاً، أو أشياء خيالية. ارجع إلى سورة العنكبوت آية (١٧) للبيان.
{لَّهُمْ}: أصنام خاصَّةً لهم، وليس لغيرهم؛ أي: ليست أصنام معروفة، أو مشهورة (عامة)، وتنكير هذه الأصنام للحط من شأنها، ولا قيمة لها.
{قَالُوا يَامُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}: قالوا ذلك بعد رؤيتهم كيف أنجاهم الله من فرعون وجنوده، وفلق البحر، وعبوره؛ قالوا هذا القول؛ الذي يعتبر قمة الغباء، وعمى البصيرة، والشرك.
{اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}: أيْ: صنماً نعبده، كما: الكاف: للتشبيه، ما: اسم موصول؛ أيْ: كالذي لهم من آلهة.
{قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}: قال موسى -عليه السلام- لهم: إنكم قوم جهلاء، وهي كلمة ذم؛ تعني: ليس عندكم؛ أيْ: علم في الدِّين: وأن العبادة لا تكون إلا لله وحده. ارجع إلى سورة الفرقان آية (٦٣)، وسورة الزمر آية (٦٤) لبيان تجهلون.
وجاء بالفعل المضارع: تجهلون: ليدل على تجدد جهلهم، واستمرار عمى بصيرتهم، فهم قد شاهدوا قوم فرعون من قبل، قبل أن يعبدوا الأصنام، ويعبدوا فرعون؛ فهم يريدون تقليدهم.
ولنقارن ثلاث آيات متشابهة تصف ثلاثة أقوام؛ وصفوا بالجهل:
أولاً: قوم نوح، الآية (٢٩) من سورة هود: {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ}.
ثانياً: قوم لوط، الآية (٥٥) من سورة النمل: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}.
ثالثاً: قوم موسى؛ بنو إسرائيل، الآية (١٣٨) من سورة الأعراف: {اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}.
فآية قوم نوح: جاءت في سياق طرد الذين آمنوا، والدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- .
وآية قوم لوط: جاءت في سياق الفاحشة.
وآية بني إسرائيل، جاءت في سياق الشرك، وعبادة الأصنام، وبما الشرك والارتداد الذي يطلبه بنو إسرائيل من أعظم الذنوب، وأعظم من الفاحشة؛ لذلك أكَّد بقوة: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}، وأما قوله: {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}: ففيها توكيد أقل من التوكيد في: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}، والتوكيد في: {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}، أقوى من: {وَلَكِنِّى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ}.
إذن: مقابل الشرك (أعظم الذنوب): قال: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}.
مقابل الفاحشة (من الكبائر): قال: {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}.
ومقابل طرد الذين آمنوا (بسب السيئات): قال: {وَلَكِنِّى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ}.