سورة الأعراف ٧: ١٧٠
{وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ}:
بعد أن ذكر الخَلْف: الطالح من اليهود؛ يذكر في هذه الآية الخَلَف: بفتح اللام؛ أي: الصالح من اليهود؛ الذين يعملون بالتوراة، وقد تشمل كلَّ الأمم التي تتمسك بكتابها، سواء أكان التوراة، أم الإنجيل، أم القرآن.
{وَالَّذِينَ}: اسم موصول؛ يفيد المدح.
{يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ}: يُمَسِّكون؛ يعني: أن الماسك تمكن مما يمسك؛ أيْ: فيه مبالغة في المسك؛ أيْ: يعملون بالكتاب، سواء كان التوراة، أو الإنجيل، أو القرآن، ويطبقون أحكامه، وحلاله، وحرامه، وما أمروا به.
{بِالْكِتَابِ}: بالباء: للإلصاق (بكل الكتاب).
{يُمَسِّكُونَ}: بصيغة المضارع؛ تدل على التجدُّد، والتكرار، والاستمرار، وليس بزمن ما وانتهى، بل هو زمن مطلق، ولأن التمسك يكون دائماً، ولا ينقطع بكتاب الله -عز وجل- .
{وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ}: بأركانها، وشروطها، وأوقاتها، وخشوعها، واختيرت الصلاة من بين العبادات؛ لأنها أهم أركان العبادة، وتمثل العبادات الأخرى.
{إِنَّا}: للتعظيم.
{لَا}: النافية.
{نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ}: ولم يقل: إنا لا نضيع أجر الذين يمسكون بالكتاب، أو لا نضيع أجرهم، وإنما جاء بكلمة: {أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ}: لأن الأجر لا يختص بهؤلاء الذين يمسكون بالكتاب، وإنما يشمل كل المصلحين، وهؤلاء الذين يمسكون: هم من زمرة المصلحين.
انتبه! إلى التغير في الصيغ: {يُمَسِّكُونَ}: جاءت بصيغة المضارع، و {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ}: جاءت بصيغة الماضي، ولم يقل: يقيمون الصلاة، لماذا هذا التغيُّر؟
الجواب: لأن إقامة الصلاة لها أوقات محدودة، ولذلك جاءت بصيغة الماضي.
أما التمسُّك بالكتاب (بالقرآن)، أو غيره من الكتب؛ فهو مطلق، كما ذكرنا سابقاً غير محدد بوقت، وكذلك الإصلاح؛ مثل: التمسك غير محدد بزمن.
والفرق بين استمسك، ومسك؛ كقوله تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِى أُوحِىَ إِلَيْكَ} الزخرف: ٤٣؛ أيْ: يأمرنا أن نستمسك بالقرآن، والألف، والسين، والتاء: للطلب، وبعد مرحلة الطلب استمسك؛ تأتي مرحلة التمكُّن من المسك؛ يعني: الماسك تمكن من المسك؛ أيْ: يُمَسِّكون بشدة، واستمرار، ويعتصمون به، ويلتزمون بالعمل بما فيه.