سورة الأنفال ٨: ٣٣
{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}:
{وَمَا}: الواو: عاطفة، ما: النّافية.
{كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ}: اللام: لام التّعليل، والتّوكيد؛ توكيد النفي، ومنهم من يسميها لام الجحود. ليعذبهم: يعذبهم فعل مضارع؛ يدل على التّجدد، والتّكرار. وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ}: جملة خبرها؛ أي: (خبر كان) محذوف تقديره قاصداً أو ناوياً أو مقدراً أن يعذبهم وأنت فيهم.
{وَأَنْتَ فِيهِمْ}: أي: وأنت يا رسول الله حيٌّ، وما زلت بينهم، أو معهم؛ فلن يعذبهم حتّى تخرج من عندهم، أو يتوفاك الموت.
أي: العذاب مرفوع عنهم مؤقتاً ما دمت يا رسول الله بين ظهرانيهم؛ فإذا مت قد ينزل بهم العذاب، وبما أن بقاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهم مؤقت لذلك استعمل الجملة الفعلية، ولم يقل: معذبهم.
{وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ}: معذبهم: اسم يدل على الثّبوت؛ أي: الله من صفاته الثّابتة الرّحمة بعباده المؤمنين.
{وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}: يستغفرون: أولاً: فعل مضارع؛ يدل على التّجدد، أو التّكرار؛ أي: الاستغفار، ولو كان متكرر، أو متقطع، أو مؤقت غير ثابت يرفع، أو يمنع عنهم العذاب؛ حتّى تقوم السّاعة، وهذا من رحمة الله سبحانه بهذه الأمة: أن عوَّض عليهم بعدم بقاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- بينهم بالاستغفار المتجدِّد والمتكرر.
وثانياً: لم يقل: وما كان الله معذبهم وهم مستغفرون؛ لكان ذلك يعني: يجب أن تكون صفة الاستغفار عندهم ثابتة مستمرة، وهذا من المستحيل، أو الصعب جداً، واكتفى بالاستغفار المتجدِّد، أو المؤقت؛ بقوله: {وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
ثالثاً: قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}: فيه نفي للفعل؛ أي: التعذيب مقارنة بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ}: فيه نفي القصد أو النية للقيام بالفعل (التعذيب)، أو هناك فرق بين نفي القصد (النية)، ونفي الفعل ذاته؛ لأن نفي القصد أو النية أبلغ وأشد من نفي القيام بالفعل، وفي هذا دليل على مكانة وشرف النبي -صلى الله عليه وسلم- عند ربه.