سورة الأنفال ٨: ٣٩
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}:
{وَقَاتِلُوهُمْ}: ولم يقل: اقتلوهم، قاتلوهم؛ أي: هناك مفاعلة قتال طرفين كلّ يحاول قتل الآخر، أما اقتلوهم: فتعني: من طرف واحد؛ أي: من دون أن يتصدوا لكم، أو يخرجوا لقتالكم.
{حَتَّى}: حرف غاية؛ أي: حتّى النّهاية (نهاية الغاية).
{لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}: لا: النّاهية، تكون فتنة: فتنة هنا؛ تعني: الشّرك، والكفر، أو الظّلم، أو أي فتنة، أو الفتنة في الدِّين؛ أي: اضطهاد؛ أي: المؤمن، أو المؤمنة من أجل دينه. ارجع إلى الآية (٢٥) من نفس السّورة؛ للبيان.
{وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}: أي: لا شرك، فلا يعبد مع الله أحد سواه.
{فَإِنِ انتَهَوْا}: الفاء: للتفصيل، إن: للتوكيد، انتهوا: استجابوا، وأطاعوا، ودخلوا في الإسلام.
{فَإِنَّ اللَّهَ}: الفاء، وإن: للتوكيد.
{بِمَا}: الباء: للإلصاق، ما: اسم موصول؛ بمعنى: الذي، أو مصدرية.
{يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}: يعملون: تضم الأقوال، والأفعال، بصير: يرى، ويراقب أعمالهم، ويحيط علمه بكلّ شيء.
ولنقارن سورة الأنفال، الآية (٣٩): {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
مع سورة البقرة، الآية (١٩٣): {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ}.
الاختلاف: آية الأنفال: ويكون الدِّين كلّه لله، والنّهاية: فإنّ الله بما يعملون بصير.
آية البقرة: ويكون الدِّين لله، والنّهاية: فلا عدوان إلا على الظّالمين.
الاختلاف: سببه أنّ آية الأنفال: جاءت في سياق قتال الكفار كافة، والآية تفيد العموم، والشّمول، ولذلك قال: كلّه لله؛ أي: قاتلوا الكفار كافة؛ ليكون الدِّين كله لله.
أمّا آية البقرة: فجاءت في سياق قتال كفار مكة؛ فحسب، وحول المسجد الحرام قتال لصد عدوانهم، وحتّى يكون الدِّين لله.
أمّا نهاية الآيتين: فإنّ الله بما يعملون بصير؛ لأنّ من الكفار بعد قتالهم منهم من سيدخل في الإسلام، ومنهم من لن يدخل؛ فإنّ الله بما يعملون بصير.
وأما قوله تعالى: فلا عدوان إلا على الظّالمين؛ لأنّه سبقها قوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} البقرة: ١٩٤، وكذلك قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} البقرة: ١٩٠، فلذلك ختمها بقوله: فلا عدوان إلا على الظّالمين «كفار قريش وغيرهم».