سورة الأنفال ٨: ٦٤
{يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}:
{يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ}: نداء للنبي -صلى الله عليه وسلم- استعمل فيها يا النّداء؛ للبعد، والهاء: للتنبيه، وهو نداء تكريم، وتعظيم، ولم يقل: يا محمّد، أو: يا أيها الرّسول.
إذا نظرنا في القرآن الكريم: نجد أنّ الله سبحانه حين ينادي على رسله ناداهم بأسمائهم، أمثلة: {يَاإِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّءْيَا} الصافات: ١٠٤، {يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا} هود: ٤٨، {يَامُوسَى إِنِّى أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} القصص: ٣٠، {يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} المائدة: ١١٦.
أما حين نادى الله -سبحانه وتعالى- نبيَّه محمّداً؛ فقد ناداه بيا أيها النّبي، وذلك في (١٣) آيةً في القرآن، وناداه بيا أيها الرّسول مرتين في آيتين.
هذا في النّداء، أما في الإخبار، وهو غير النّداء؛ فقد ذكر اسمه محمّد في (٤) آيات، وورد اسم أحمد في آية واحدة، وسنرى سبب ذلك حين بيان تلك الآيات، وهي:
{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} آل عمران: ١٤٤.
{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِّجَالِكُمْ} الأحزاب: ٤٠.
{مُّحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} الفتح: ٢٩.
{وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَّبِّهِمْ}: محمّد: ٢.
والنّداء بـ (يا أيها الرّسول): يأتي في سياق الدّعوة والتّبليغ والرّسالة: مثل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} المائدة: ٦٧.
{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى الْكُفْرِ} المائدة: ٤١.
وباقي النّداءات جاء بيا أيها النّبي، وهو نداء تشريف، وعام، ويأتي في سياق الأمور، والشّؤون الخاصَّة به -صلى الله عليه وسلم-، وعلى كونه الأسوة، والقدوة للناس، أو في سياق الأحكام الخاصَّة به -صلى الله عليه وسلم-، وشؤون أسرته، وأزواجه، وأحكام الأسرة المسلمة بشكل عام.
{حَسْبُكَ اللَّهُ}: الحسب الكافي، وحسبك؛ أيْ: يكفيك أو كافيك.
{وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}: لا تعني- كما يظن بعض النّاس-: حسبك الله، وحسبك من اتبعك من المؤمنين، وإنما تفسيرها حسبك الله وحده، ومن اتبعك من المؤمنين حسبهم الله، أو: يا أيها النّبي حسبك الله، وأيها المؤمنون حسبكم الله؛ «أي: يكفيكم الله وحده»، أو: يا أيها النّبي حسبك الله، وحسب من اتبعك من المؤمنين أيضاً هو الله، والواو في كلمة ومن تبعك؛ تعني: مع، أيْ: حسبك الله مع من تبعك من المؤمنين، الكلّ حسبكم الله -سبحانه وتعالى- ، في كلّ ما تدعونه، أو تحتاجونه في أمور دنياكم، وآخرتكم من النّصر، والرّزق، والتّوكل.