سورة التوبة ٩: ٢٣
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}:
المناسبة: قيل: نزلت هذه الآية لما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسلمين بالهجرة إلى المدينة؛ فعزَّ على بعض المسلمين ترك آبائهم، وإخوانهم في مكة، ولم يهاجروا، وتركوا الهجرة، كما رُوي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- .
وقيل: نزلت في تسعة نفر ارتدوا عن الإسلام، ولحقوا بأهلهم بمكة؛ فنهى الله عن ولايتهم، كما رُوي عن مقاتل، والمهم: هو عموم اللفظ، وليس خصوص السبب.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}: نداء جديد للذين هم على درب الإيمان بأمر أو بتكليف هو:
{لَا تَتَّخِذُوا}: لا: النّاهية، تتخذوا: من اتخذ، وبمعنى: جعل، أو صير.
{آبَاءَكُمْ}: الآباء، والأمهات، والأجداد، والأعمام.
{وَإِخْوَانَكُمْ}: أي: الأصدقاء والإخوة.
{أَوْلِيَاءَ}: جمع ولي، والولي: المعين، وتعني: المودة، والمحبة؛ أيْ: لا تتخذوهم بطانة تحبوهم، وتودوهم، وتفشوا إليهم بأسرار المسلمين، أو تؤثروهم على الهجرة إلى المدينة، أو تنصروهم.
{لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا}: إن: شرطية؛ تفيد الاحتمال، والشّك، أو الندرة.
{إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ}: ولم يقل: إن أحبوا الكفر على الإيمان؛ لأن القول: إن أحبوا؛ تعني: هذا الحب، هو حب الفطرة؛ أيْ: أمر فطري، وهذا غير معقول، وإنّما قال استحبوا وهذا الحب هو حب مستفعل؛ أيْ: هو حبٌّ هم صنعوه، واختاروه بأنفسهم، وهو حبٌّ يعارض حب الفطرة؛ الّذي هو حب الإيمان، وللمزيد في بيان الولي: ارجع إلى الآية (١٠٧) من سورة البقرة.
{وَمَنْ}: شرطية.
{يَتَوَلَّهُمْ}: يتخذهم أولياء، ويلقي إليهم بالمودة، ويطلعهم على أسرار المسلمين، ويتجسس لهم، وينصرهم.
{مِّنكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}: منكم خاصَّة.
{فَأُولَئِكَ}: الفاء: للتأكيد، أولئك: اسم إشارة للبعد.
{هُمُ}: ضمير منفصل؛ يفيد التّوكيد.
{الظَّالِمُونَ}: الظّالمون حقاً، وإن كان يوجد غيرهم من الظّالمين؛ فهم أظلمهم. جمع ظالم، والظالم: الّذي لا يتبع منهج الله سبحانه؛ فيظلم نفسه بأن يوردها في النار. ارجع إلى الآية (٥٤) من سورة البقرة؛ لمزيد من البيان في معنى الظلم.
و {الظَّالِمُونَ}: جملة اسمية تفيد الثّبوت، صفة الظّلم أصبحت ثابتة عندهم.