سورة التوبة ٩: ٣٨
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِى الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ}:
المناسبة: قيل: نزلت هذه الآية لما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسلمين بالخروج إلى غزوة تبوك، والاستعداد لها، وكان ذلك في زمن عسرة، وجدب، وحر شديد، وقد طابت الثّمار؛ فعظم على النّاس هذا الأمر؛ أي: الجهاد، والخروج، وبعضهم فضل البقاء؛ فنزلت هذه الآية، كما روى الطبري عن مجاهد.
نداء جديد إلى الّذين آمنوا، والهاء: للتنبيه للجهاد في سبيل الله، وحين يقول في سبيل الله: تعني: غالباً الجهاد في سبيل الله، والاستعداد للخروج؛ فهو يشكل الخطوة الأولى في الجهاد، وقتال العدو.
{مَا لَكُمْ}: ما: الاستفهامية فيها معنى التّوبيخ، والتعجب، لكم: خاصَّة.
{إِذَا قِيلَ لَكُمُ}: إذا: بمعنى حين ظرف زماني، قيل لكم: من قِبل الرّسول، أو إخوانكم.
{انْفِرُوا}: اخرجوا من النفرة: الأصل في النّفرة: التّباعد بين إنسان وصديقه كان بينهما مودة، ومحبة، ثمّ حدث من هذا الصّديق فعل، أو قول أدَّى إلى أن يبتعد عنه، أو ينفر منه، انفروا فيها حث للنّاس، ودعوتهم للخروج إلى أمر ما بسرعة؛ مثل: الجهاد، أو إنقاذ غريق، أو حريق، ومنه إعلان النّفير العام هبوا إلى القتال.
{فِى سَبِيلِ اللَّهِ}: ابتغاء مرضاة الله؛ لإعلاء كلمة الله، أو الجهاد غالباً.
{اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ}: أصلها تثاقلتم إلى الأرض؛ أدغمت التّاء في الثّاء؛ أي: أخلدتم إلى الأرض؛ غرتكم شهوات الدّنيا؛ حيث طابت الثمار؛ أيْ: أينعت، وكون الجو حاراً، أو اطمأننتم إلى الدّنيا، وأردتم البقاء في الدّيار، وعدم الخروج، والتّثاقل: معناه لك المقدرة على الفعل المطلوب منك، ولكنك تتصنع أنك غير قادر؛ أي: تتكاسل.
{أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ}: الهمزة: استفهام إنكاري، وتوبيخي، الرّضا: القبول، والسّرور، وحب القلب، أرضيتم بنعيم الدّنيا بدل نعيم الآخرة، وبالحياة: بالباء: للإلصاق، والتّوكيد.
{فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِى الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ}: فما: الفاء: عاطفة، ما: النّافية، متاع الدّنيا: الفاني، والزائل، والقليل، والمتاع: هو كل ما ينتفع به، ويرغب في اقتنائه؛ كالطّعام، والأثاث، والسّلعة، والأداة به، وما يستمتع به من لذائذ لا يقارن بمتاع الآخرة الدّائم، والأكبر، والّذي لا ينفد.