سورة البقرة ٢: ١١٩
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْـئَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}:
{إِنَّا}: للتعظيم، ولا بد من التفريق بين الإرسال والبعث.
{أَرْسَلْنَاكَ}: الإرسال:
١ - يكون بإرسال شيء جديد؛ أي: برسالة جديدة، أو منهج جديد، أو تغير، أو تعديل في المنهج السابق، حسب الزمان والمكان.
٢ - الإرسال: لا يصاحبه إثارة ولا تهييج، ولا حث كما في البعث.
٣ - الإرسال: من مكان إلى مكان، أو إلى مكان جديد.
٤ - الإرسال: هو أقل شدة، وقوة، ومشقة مقارنة بالبعث.
أما البعث:
١ - فالبعث: هو إحياء منهج كان موجوداً سابقاً، وغفل عنه النّاس، فإذا أراد الله -جل وعلا- إحياء نفس المنهج، الذي غفل عنه النّاس، بعث الله رسولاً، أو نبياً، لإحياء معالم ذلك المنهج السابق، الذي اندثر؛ أي: باختصار بعث شيء قديماً، وليس هناك من جديد.
٢ - البعث: يصاحبه إثارة، وحض، وتهييج على القيام بالعمل وحث عليه.
٣ - البعث: يكون إلى نفس المكان، أو القرية، أو المدينة.
٤ - البعث: إرسال، وفيه شدة، ومشقة، وقوة، وعمل؛ أشد من الإرسال.
{بِالْحَقِّ}: الباء: للإلصاق؛ أي: ملازماً للحق، والحقّ هو الشيء الثابت، الذي لا يتغير، ولا يتبدل، والحق لغة: هو المطابقة والموافقة, وهو الصواب والصحيح, وضده الباطل وكلمة الحق جاءت في (٢٨٣) موضع في القرآن الكريم, ولها معان كثيرة نذكر منها قد تعني الله سبحانه أو القرآن الكريم والإسلام والعدل والرسول والصدق والبيان والحاجة والحظ والنصيب والتوحيد والدين وغيره من المعان…, والسياق هو الذي يحدد المعنى, وقيل: {أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ}: بالقرآن، أو بالإسلام.
{بَشِيرًا}: من البشارة: هي الإخبار، بخبر سار لأول مرة، سابقاً لكل خبر سواه.
والبشارة مشتقة من البشرة، وهو طبقة ظاهرة الجلد أو الوجه الّتي تتأثر وتتغير حين سماع الخبر السار.
وإذا استعملت البشارة في خبر غير سار؛ فذلك من باب التهكُّم والاستهزاء، مثل قوله: {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}، وبشير صيغة مبالغة من بشرَ. ارجع إلى الآية (٢٥) من نفس السورة لبيان معنى البشارة.
{وَنَذِيرًا}: الإنذار، إعلام مع تخويف، وتحذير.
الإنذار؛ لا يكون إلَّا بالزجر عن أمور، منهي عنها؛ أي: سيئة، أو قبيحة، تسيء إلى الفرد أو الجماعة، وكلما كانت المخافة أشد، كان الإنذار أعظم وأشد، والإنذار إحسان من المنذِر للمنْذَر، كي يأخذ استعداده، فلا يفاجأ بالأمر المحذر منه، وكل الرسل والأنبياء كانوا مبشرين منذرين، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشيراً ونذيراً معاً. ونذيراً: صيغة مبالغة من أنذر، وقدم بشيراً على نذيراً؛ لأن الخطاب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فناسب تقديم البشارة.
{وَلَا تُسْـئَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}: ولا: الواو عاطفة. {وَلَا}: النّافية.
أي: لست بمسؤول عن أعمال أصحاب الجحيم، أو تعني: النهي عن السّؤال عن أصحاب الجحيم، ولا تسأل عنهم، فإنهم في أمر عظيم، على وجه التعظيم.
{أَصْحَابِ}: من المصاحبة الملازمة؛ أي: كأنهم لا ينفكوا عنها وهي ملك لهم.
{أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}: مثل أصحاب الدار.
{الْجَحِيمِ}: مشتقة من جحم النار؛ أي: أوقدها، وجحمت النار: تأججت، وجحمت العينان: اشتدت حمرتُهما، والجحوم: مصدر جحم؛ أي: النار المتأججة، فلا تخمد أبداً. وقيل: الجحيم اسم من أسماء النار، أو دركة من دركاتها.