سورة يونس ١٠: ٣
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}:
بدلاً من العجب كيف أنزل الوحي إلى محمّد -صلى الله عليه وسلم- كان عليكم أن تعجبوا من خلق السّموات والأرض في ستة أيام.
فقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ}: إنّ: للتوكيد، ربكم الله: ربكم: الرّب في اللغة: المالك، والمدبر، والمربي، والقيم، والرّازق، والمنعم. الله: سبحانه تشير أنّه المعبود الحقّ، والإله الحقّ الّذي يستحق العبادة؛ لأنّه سبحانه {الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ}. ارجع إلى سورة الأعراف، آية (٥٤)، وسورة البقرة، آية (٢٢، ٢٩)، وسورة الأنبياء، آية (٣٠)؛ للبيان.
{سِتَّةِ أَيَّامٍ}: قد تعني: ستَّ مراحل، وكلّ مرحلة تمثل بيوم، واليوم طوله بلايين السنين، ويُعينُ على تفسير ذلك قوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} الحج: ٤٧.
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}: ثمّ: هنا تفيد التفاوت بالمرتبة بين الاستواء على العرش: هو أكبر وأعظم المخلوقات، وأعظم من خلق السّموات والأرض الذي هو بدوره أكبر من خلق الناس، كما أشارت إلى ذلك الآية (٥٧) من سورة غافر.
{اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}: استواءً يليق بذاته، وصفاته، وفي إطار ليس كمثله شيء، والاستواء: لا يدلُّ على مكان محدَّد؛ لأنّه سبحانه مُنزَّه أن يكون محدداً بمكان، أو زمان، والعرش فسره بعض العلماء بالملك، والسّلطان، والقدرة، والتّدبير، والعرش: لا يُقدر بقدر، وهو من الأمور الغيبية.
والكرسي فسِّر بالعلم، والسّموات السّبع، والأرض بالنّسبة للعرش كحلقة في فلاة. ارجع إلى سورة هود آية (٧) للبيان.
{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}: الأمر: يضم كلّ شيء وزيادة، يدبِّر أيَّ أمر حسب مشيئته، وحكمته، وعلمه، وإرادته تدبير محكم، يدبر: يعني: ينظم، يقدِّر ويقضي، يدبر الأمر جاء لينفي التّعجب؛ فالّذي خلق هو الّذي يدبر الأمر، أمر الكون، وأمر الخلق.
{مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ}: ما: النّافية. من: الاستغراقية، وتشمل المفرد، والمثنى، والجمع. شفيع: صيغة مبالغة من شافع، وهو الّذي يطلب العفو لشخص آخر، وتكون في ذنب، أو تقصير في حق الله، والشفاعة لا بُدَّ لها من شروط، هي: إذن من الله، ورضا، والمشفوع له مؤهَّل للشفاعة، وكذلك الشّافع مؤهَّل للشفاعة؛ كقوله سبحانه: {لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِىَ لَهُ قَوْلًا}، والشّفاعة الباطلة المزعومة شفاعة الأصنام، والأوثان… وغيرها من الآلهة المعبودة، واللات، والعزى: فليس لهذه شفاعة أصلاً عند الله سبحانه.
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ} ذلكم: اسم إشارة؛ يفيد البعد؛ أي: التعظيم، والعلو، والتّوكيد، ولم يقل: ذلك، وإنما ذلكم؛ أيْ: ذلكم العظيم الّذي خلق السّموات والأرض، ثم استوى على العرش، والّذي يدبِّر الأمر: هو الله الّذي يستحق العبادة وحده، ويستحق التّعظيم، والشّكر، والحمد.
{فَاعْبُدُوهُ}: وحده، والفاء: تفيد التّوكيد، والتّعليل.
{أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}: الهمزة: للاستفهام، الفاء: للتوكيد. ألّا: أداة حضٍّ، وحثٍّ، وطلب، وتنبيه للسامع الّذي قد يكون غافلاً.
{تَذَكَّرُونَ}: ولم يقل: تتذكرون؛ أيْ: لستم بحاجة إلى وقت طويل لتذكروا عظمة الخالق؛ لأن أدنى تذكُّر بخلق هذه السموات والأرض كافٍ للدلالة على عظمة الخالق المدبِّر.