سورة يونس ١٠: ٦١
{وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِى الْأَرْضِ وَلَا فِى السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِى كِتَابٍ مُبِينٍ}:
{وَمَا}: الواو: استئنافية، ما: النّافية، والخطاب موجَّه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
{تَكُونُ فِى شَأْنٍ}: شأن: هو إبلاغ الرّسالة، والمنهج؛ أي: الدعوة إلى الله تعالى.
{وَمَا}: مثل السّابقة، وتفيد التّوكيد.
{تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ}: وما تتلو من القرآن، أو الآيات على النّاس، أو لأجل تبليغ النّاس ما نُزل عليهم.
{مِنْهُ}: الأولى تعليلية.
{مِنْ قُرْآنٍ}: للتأكيد، أو للتبعيض؛ أي: بعض السور أو الآيات.
{وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ}: ينتقل إلى الله سبحانه من مخاطبة رسول الله إلى مخاطبة النّاس.
{وَلَا}: النّافية.
{تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ}: العمل يشمل القول، والفعل؛ فإذا صدر الحدث من اللسان كان قولاً، وإذا صدر الحدث من بقية الجوارح كان فعلاً.
{إِلَّا}: أداة حصر.
{كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا}: كنا عليكم شاهدين؛ أيْ: رقباء مطلعين عليه حيث الملائكة الكرام الكاتبين، شاهدين على ما تعملونه (من قول، وفعل).
{إِذْ}: ظرف زماني.
{تُفِيضُونَ فِيهِ}: من الإفاضة، كما يفيض الإناء إذا امتلأ، وأصل الإفاضة: الاندفاع بشدة، أو بكثرة؛ تفيضون: تشرعون فيه؛ لتأديته بنشاط وإقبال؛ مما يدل على حسن الاستجابة، والإقبال على العمل بشوق.
{وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ}: وما: ما: للنفي، ما يعزب عن ربك: ما يغيب عن علمه، وعزب الشّيء؛ أي: اختفى، وغاب، وما هو الفرق بين: وما يعزب عن ربك، ولا يعزب عن ربك؟ أولاً: ما: رد على قول أو ما يشابه ذلك، بينما لا: جواب لسؤال حصل أو مقدر، وما: مختصة بنفي الحال، ولا: تختص بنفي المستقبل.
{مِنْ مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِى الْأَرْضِ وَلَا فِى السَّمَاءِ}: من: استغراقية، وتفيد التّوكيد. ارجع إلى سورة سبأ، آية (٣)؛ لمزيد من البيان.
{وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ}: وانتبه إلى قوله: ولا أصغر من ذلك؛ فعندما يكون هناك أصغر يكون هناك كذلك صغير، وأصغر من الذّرة هي الإلكترونات، والبروتونات، والنترونات الّتي تشكل النّواة.
وأصغر على وزن أفعل؛ هو ما اكتشفه العلم الحديث، وهو ما يقال له: (كوارك)؛ أيْ: أصغر من الذرة.
{إِلَّا فِى كِتَابٍ مُبِينٍ}: وهو اللوح المحفوظ.
ولنقارن بين هذه الآية من سورة يونس، والآية (٣) من سورة سبأ.
آية (٦١) يونس: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِى الْأَرْضِ وَلَا فِى السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِى كِتَابٍ مُبِينٍ}.
آية (٣) سبأ: {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِى السَّمَاوَاتِ وَلَا فِى الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِى كِتَابٍ مُبِينٍ}.
بين الآيتين ستة فروق:
الأوّل: السّياق في آية يونس، في علم إحاطة الله بالأشياء، أمّا السّياق في آية سبأ ففي الساعة (ساعة تهدم النظام الكوني).
الثّاني: في يونس: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ}؛ ما: مختصة بنفي الحال، وفي سبأ: {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ}؛ لا: نافية للجنس مختصة بنفي المستقبل غالباً، وقد تنفي كلّ الأزمنة بما فيها الحال؛ فالنفي في آية يونس: أوسع، وأشمل.
الثّالث: في آية يونس قال: {عَنْ رَبِّكَ}، وفي آية سبأ قال: {عَنْهُ}، ولم يقل: عن ربك؛ لأنّه سبق ذكر كلمة الرّب في قوله: {بَلَى وَرَبِّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ}.
الرّابع: في آية يونس قال: {ذَرَّةٍ فِى الْأَرْضِ وَلَا فِى السَّمَاءِ}: بدأ بالأرض؛ لأنّ الآية تتكلم عن أهل الأرض؛ لقوله: {وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ}، وفي آية سبأ قال: {ذَرَّةٍ فِى السَّمَاوَاتِ وَلَا فِى الْأَرْضِ}: بدأت بالسموات؛ لأنّ السّياق عن السّاعة، والسّاعة أمرها يبدأ من السّموات.
الخامس: في يونس قال: {مِنْ مِّثْقَالِ}؛ من: هنا الاستغراقية؛ لأنّ الكلام عن علم الله، وإحاطة علمه بكلّ الأشياء يستغرق كلّ شيء، أما في سبأ: {مِّثْقَالِ}: من دون (من)؛ فلأنّ السّاعة شيء واحد، أو أمر واحد.
السّادس: النّفي في آية يونس أقوى، وآكد من النّفي من آية سبأ؛ لأنّه جاء بـ (لا): النّافية للجنس، وكذلك استعمل: (من): الاستغراقية، وجاء بصيغة النّصب في يونس بدلاً من صيغة الرّفع؛ فقال: {وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ}؛ بينما في سبأ: {وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ}.