سورة هود ١١: ٢٠
{أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِى الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ}:
{أُولَئِكَ}: اسم إشارة للبعيد يشير إلى الّذين كذبوا على ربهم، وصدوا عن سبيل الله، وكفروا بالآخرة.
{لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ}: لم: حرف نفي، معجزين: جمع مُعْجز في الأرض، والمُعجز: من لا تقدر عليه، ويستطيع الهرب؛ أيْ: يفلت منك، ولا تلحق به.
{لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِى الْأَرْضِ}: نفى عنهم صفة الإعجاز أصلاً؛ أيْ: لن يفلتوا من عذاب الله وعقابه.
{مُعْجِزِينَ}: جاء بالاسم الّذي هو أثبت وآكد من الفعل.
{فِى الْأَرْضِ}: حيث كانوا يعيشون، ولم يذكر السماء كما في سورة العنكبوت آية (٢٢)؛ لأن السياق في الآخرة، والموقف موقف محاسبة، أو إذا كانوا غير معجزين في الأرض؛ فكيف يكونون معجزين في السّماء، وأمّا حين يذكر السّماء كما في قوله تعالى: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِى الْأَرْضِ وَلَا فِى السَّمَاءِ} العنكبوت: ٢٢؛ لأن سورة العنكبوت تدعوا إلى النظر والتدبر حيث قال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} آية: ٢٠، والتحدي أكبر، وأوسع، ويشمل السّموات السبع حتّى لا يظن أحد أنه إذا لم يستطع أن ينجو في الأرض يمكن أن ينجو في السّماء، ومنهم من قال: أن هذه الآية قد تشير إلى غزو الفضاء الّذي بدأ ينتشر.
{وَمَا}: الواو: عاطفة؛ ما: نافية.
{كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ}: بالإضافة إلى عجزهم في الأرض ما كان لهم من غير الله من أولياء: جمع ولي: وهو المعين، والمحب، والنّاصر.
{مِنْ}: استغراقية؛ استغرقت النّفي المطلق، وتفيد التّوكيد، لا ولي، ولا اثنان، ولا أكثر من ذلك.
وعبارة من دون الله من أولياء؛ أيْ: في الدّنيا.
{يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ}: لعظم كفرهم، وإضلالهم غيرهم، وصدهم عن سبيل الله، ويبغونها عوجاً.
{مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ}: قدَّم السّمع على البصر؛ لأهمية السّمع على البصر، وكذلك من ناحية التّشكل الجنيني؛ فتشكل السّمع يكون قبل البصر، وكذلك من الناحية التشريحية: فموقع السّمع أمام موقع البصر. ارجع إلى سورة المُلك، آية (٢٣)، وإلى سورة البقرة، آية (٧)؛ لمزيد من البيان.
{مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ}: رغم وجود آلة السّمع؛ فهم لم يستفيدوا منها بالاستماع إلى الرّسول -صلى الله عليه وسلم-، وآيات القرآن؛ لكونهم يكرهون الاستماع للحق، وما أنزل الله.
{وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ}: أيْ: نفى عنهم السّمع أوّلاً، ونفى عنه البصر ثانياً، لا هذه، ولا هذه، ولا كلاهما؛ منهم لم يستفيدوا من سمعهم، ولا أبصارهم؛ فيؤمنون بالله ورسوله.
ولكن في الآخرة يتغير ذلك فيصبح سمعهم وأبصارهم كالحديد من شدتها، وحدَّتها؛ كقوله تعالى: {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} ق: ٢٢.