سورة البقرة ٢: ٤
{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}:
{وَالَّذِينَ}: الواو عاطفة، الذين: اسم موصول، وتكرار الّذين للتوكيد وفصل كل صفة عن الأخرى.
{يُؤْمِنُونَ}: يصدقون، و {يُؤْمِنُونَ} من الإيمان؛ وهو التصديق الجازم، في القلب، والإقرار باللسان، والعمل بالأركان، وما أقره الشرع.
{بِمَا}: الباء للإلصاق، للاهتمام، والتعظيم؛ ما: اسم موصول، بمعنى الذي أنزل إليك؛ أي: القرآن الكريم. أو الوحي.
وآمن به؛ تصديق عقدي، إيمان عقيدة، مثل: الإيمان بالله، وبالملائكة، والكتب، والرسل، وأمن له: أي: صدقه سواء أكان قولاً أم عملاً. وتأتي في سياق التصديق بالرسل…
الفرق بين أنزل ونزل:
١ - أنزل تعني: جملة واحدة، أو مرة واحدة. من اللوح المحفوظ إلى السماء الدّنيا، ونزل تعني: منجماً على دفعات خلال ٢٣ سنة.
٢ - أنزل إليك أو عليك منسوبة إلى الله -عز وجل- . بينما نزل إليك أو عليك قد تنسب إلى جبريل عليه السلام أيضاً.
٣ - أنزل أقل قوةً وتأكيداً من نزل. أي: نزل تستخدم في مواطن الاهتمام والتوكيد والشدة، وأنزل تستخدم في سياق الأمور الأقل توكيداً وشدة واهتماماً.
٤ - وأنزل تأتي في سياق العام، ونزل فيما هو خاص.
أما الفرق بين إليك وعليك: إليك تفيد معنى النهاية والغاية، وتأتي في سياق التبليغ أي: أنزل إليك لينتهي إلى النّاس أي: يصل أو لتبلغه للناس.
عليك تفيد العلوية والمشقة وفي الشؤون الخاصة بالرسول أو العامة.
{وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}: وما اسم موصول، بمعنى الذي أنزل من قبلك، من الكتب السماوية، كالتوراة والإنجيل، والزبور.
وتكرار ما أنزل لفصل الإيمان بالقرآن عن الإيمان بالكتب السماوية الأخرى، فهناك من يؤمن بالقرآن، ولا يؤمن بالكتب الأخرى، أو يؤمن بالكتب الأخرى، ولا يؤمن بالقرآن، أو لا يؤمن بكلا النوعين: فمن صفات المتقين: الإيمان بالقرآن، والإيمان بالكتب الأخرى، مثل التّوراة، والإنجيل، والزبور، فلا يؤمنون ببعض، ويكفرون ببعض.
{وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}: الباء للإلصاق، (والمصاحبة)، {وَبِالْآخِرَةِ}: سمِّيت بالآخرة؛ لأنّ الدّنيا تسبقها، وتسمى بالأولى. أو العاجلة.
{هُمْ} ضمير منفصل، يفيد التّوكيد؛ أي: هم أهل اليقين حقاً وغيرهم أدنى درجة منهم.
{يُوقِنُونَ}: من اليقين؛ واليقين في اللغة يعني: التحقيق والثبات والطمأنينة, وفي الشرع يعني: العلم بالحق، الذي لا يتغير ولا يتبدل والمزيل للشك والرياء مصدق به في عالم الواقع ومصدق به بالقلب بحيث لا يحتاج إلى التفكير به من جديد ليناقش أو يدرس، وله مراحل المرحلة الأولى علم اليقين والثانية عين اليقين والثالثة حق اليقين, ويوقنون جاءت بصيغة المضارع الدالة على التجدد والاستمرار, وقد ترد بصيغة اسم الفاعل الموقنون أو يرد بلفظ اليقين.
وفي هذه الآية؛ نرى تقديم الآخرة على هم، بدلاً من: وهم بالآخرة يوقنون؛ لأنّ الإيمان بالآخرة؛ من أصعب الأمور، والتقديم للاهتمام، وللتوكيد، حتّى يدرك الّذين آمنوا أنّ إيمانهم غير مقبول، حتّى يؤمنوا بالآخرة، واليوم الآخر.
وفي سورة لقمان آية ٤: {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}؛ ولمعرفة الفرق، ارجع إلى سورة لقمان.