سورة يوسف ١٢: ٢٤
{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}:
{وَلَقَدْ}: الواو: عاطفة؛ لقد: اللام: للتوكيد؛ قد: للتحقيق، والتّوكيد أيضاً.
{هَمَّتْ بِهِ}: الهم: هو حديث النّفس بالشّيء بلا عزم بمقتضى النّظرة، وهو هم عارض، وهناك الهم الثّابت المصاحب للعزم، والتّصميم، والرّضا، وحين نقرأ، أو نتلو القرآن فمن الأفضل الوقوف على: ولقد همّت به.
{وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}: لولا: حرف امتناع لوجود؛ أيْ: لولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها، وبما أنّه رأى برهان ربه فهو لم يهمّ بها.
وكذلك انتبه إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا}: ولو قال تعالى: ولقد همت به، ولم يهم بها لقيل: إنّ يوسف قد يكون عنِّيناً ليس عنده شهوة للنساء، أو غيره من الموانع، وأصل الكلام: لولا أن رأى برهان ربه لهم بها؛ أيْ: فيه تقديم، وتأخير، وهناك من قال: وهمّ بها؛ تعني: همّ بدفعها عنه وإبعادها، ومحاولة الفرار.
{لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}: ما هو برهان ربه؟ لم يبيِّنه لنا الحق سبحانه؛ فقد قيل: البرهان برهان ربه تذكر شريعة ربه (حدود ربه) التي تحرم الفاحشة (الزنى) وعقوبة الزاني والزانية فحصنه ومنعه إيمانه القوي بالله، وشعوره بمراقبة الله له، وقيل: أنه رأى أباه يعقوب يحذره، أو رأى آية: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}، أو رأى خيالاً، أو صورة العزيز زوج المرأة، والله أعلم.
{كَذَلِكَ}: تفيد التشبيه؛ أي: مثل ذلك، أو تعني أيضاً:
{لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ}: لنصرف: اللام: لام التّوكيد، والتّعليل.
{السُّوءَ}: الخيانة، والإثم.
{وَالْفَحْشَاءَ}: الزّنى.
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}: إنّه: للتوكيد.
{مِنْ}: ابتدائية بعضية.
{عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}: المخلَصين: بفتح اللام، والمخلَص: هو من اصطفاه الله سبحانه من عباده؛ وأخلصه: جعله طاهراً تقياً؛ أيْ: من عبادنا الأصفياء الأتقياء الطّاهرين الّذين اختارهم الله لرسالته مثل الأنبياء، والصّديقين، وهؤلاء هم مخلِصون لله قبل أن يكونوا مخلَصين؛ أمّا المخلِصين: بكسر اللام: هو الّذي يجاهد نفسه ليكسب طاعة الله؛ أيْ: يُخلص نفسه لله.