سورة يوسف ١٢: ٣٧
{قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِى رَبِّى إِنِّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}:
انتبه في الآية السّابقة هما يسألانه عن تأويل رؤياهما، وقوله: لا يأتيكما طعام ترزقانه ليس بجواب لسؤالهما؛ فهو إما أراد تأخير الجواب لما بعد، أو الإعراض، وعدم الإجابة؛ فلما ألحا عليه أجابهما، أو أراد استغلال الموقف؛ لكي يدعوهما إلى الإيمان، والتّوحيد قبل الإجابة، والفتيان لا يسألانه عن مؤهلاته أيضاً، ولكن يوسف بدأ بالحديث عن شيء من الغيب مما علمه ربه بالإيحاء، وهو إعلام بخفاء، كما فعل بعض الأنبياء والرّسل؛ مثل: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعيسى -عليه السلام- ، والخضر، وهذا يعتبر من معجزات النّبوة.
{قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا}: قبل أن يصل إليكما أيُّ نوع من أنواع الطّعام إلا أخبرتكما قبل وصوله إليكم؛ أيْ: ما نوعه، ومن أين (أي الجهة) جاء.
{ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِى رَبِّى}: ذلكما: ذا: اسم إشارة، واللام: للبعد، والكاف: للخطاب، وما: للتثنية؛ أي: التّأويل، أو الإخبار بالمغيبات؛ ذلكما مما أوحى إليَّ ربي يدل على أنّ يوسف بدأ يوحى إليه، وهو في السّجن.
{إِنِّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}: ملة: مذهب أو جملة الشرائع، أو شريعة قوم لا يؤمنون بالله؛ أيْ: ملة الملك، وأهل مصر (المصريون، والكنعانيون).
{وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}: هم: ضمير فصل؛ يفيد التّوكيد؛ أيْ: لا يؤمنون بالبعث، والحساب، ويوم القيامة.
{بِالْآخِرَةِ}: الباء: للإلصاق، والتّوكيد.
{هُمْ}: للتوكيد على كفرهم بالآخرة.
{كَافِرُونَ}: جملة اسمية تدل على الثّبوت؛ ثبوت صفة الكفر فيهم؛ أي: إذا هناك كافرون فهم في طليعتهم وفي قمة الكفر، وتكرار هم لفصل عدم إيمانهم بالله عن عدم إيمانهم بالآخرة فهم لا يؤمنون لا بهذه ولا بتلك ولا بهما معاً.