سورة إبراهيم ١٤: ٢٢
{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِىَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِىَّ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}:
{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِىَ الْأَمْرُ}: لما: ظرف زماني؛ بمعنى: حين، وتتضمن معنى الشّرط، قال الشّيطان: إبليس لأتباعه من الإنس، ولمعرفة معنى كلمة الشّيطان: ارجع إلى الآية (٣٦) من سورة البقرة للبيان.
{قُضِىَ الْأَمْرُ}: انتهى الحساب، وأدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النّار النّار.
{إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ}: إنّ الله: للتوكيد.
{وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ}: الوعد هنا: البعث والجزاء، والجنة والنّار، ومن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسّيئة فلا يجزى إلا مثلها، أو وعدكم على ألسنة رسله.
{وَعْدَ الْحَقِّ}: الوعد الّذي لا يتغير، ولا يتبدل، أو وعد الصدق.
{وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ}: بالوسوسة والتزيين والإيحاء، لا بعث ولا حساب، ولا ثواب ولا عقاب، ولا جنة ولا نار، وأوحيت إليكم.
{وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِنْ سُلْطَانٍ}: وما: النّافية.
{كَانَ}: تشمل جميع الأزمنة: الماضي والحاضر والمستقبل.
{مِنْ}: استغراقية؛ تشمل كلّ سلطان.
{سُلْطَانٍ}: سواء أكان سلطان القهر والقوة، أم سلطان البرهان، والحُجة؛ أي: ما كان لي عليكم من قوة أقهركم بها على طاعتي (أي: تفعل الشّيء وأنت غير راض عنه؛ أي: أنت مكره)، ولا حجة، أو برهان أقنعكم بها، بل كنتم أنفسكم على ضلال.
{إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ}: إلا: تفيد الحصر.
{أَنْ}: مصدرية تفيد التّعليل والتّوكيد.
{دَعَوْتُكُمْ}: بالوساوس، والتّزين، والإغراء، دعوتكم إلى الشّرك، والكفر بالله ومعصيته.
{فَاسْتَجَبْتُمْ لِى}: فاستجبتم: الفاء: للمباشرة، والإسراع في الاستجابة لي؛ أي: الشيطان.
{فَلَا تَلُومُونِى}: فلا: الفاء: للتوكيد؛ لا: النّاهية.
{تَلُومُونِى}: من اللوم: وهو خطاب يُعبر فيه عن عدم الرّضا عن عمل لم يكن متوقعاً من الملوم من قول أو فعل، واللوم إذا اشتد أو أصبح عنيفاً يقال له تثريب كما ورد على لسان يوسف -عليه السلام- حين قال لإخوته: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} يوسف: ٩٢.
{وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ}: أي: وبخوا أنفسكم على ما فعلتم، وأشعروا بالنّدم والحسرة.
{مَا}: ما: النّافية.
{أَنَا}: ضمير فصل يفيد التّوكيد.
{بِمُصْرِخِكُمْ}: الباء: للإلصاق والتّوكيد.
{بِمُصْرِخِكُمْ}: المصرخ: هو المغيث المقدم العون، والمساعدة؛ أمّا المستصرخ المستغيث الّذي يطلب العون، والغوث؛ أي: ما أنا بمغيثكم؛ أي: ما أنا بمساعدكم؛ أي: لا أستطيع مساعدتكم حتّى لو أردت.
{وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِىَّ}: أي: وكذلك أنتم لستم بمساعدي، أو مغيثين لي.
{إِنِّى كَفَرْتُ}: كفرت: جحدت، أو تبرأت من إشراككم إياي.
{بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ}: بما: الباء: للتعليل أو السّببية.
{أَشْرَكْتُمُونِ}: من قبل بإشراككم إياي مع الله؛ أي: جعلتموني شريكاً لله، أو أطعتموبني كما أطعتم الله, وحذفت الياء (ياء المتكلم) للدلالة على أنه ولو كان أدنى أو أقل الشرك؛ أي: كفرت بأي شرك بالله قمتم به ولو كان مهما كان.
{مِنْ قَبْلُ}: أي: في الدّنيا.
{إِنَّ الظَّالِمِينَ}: إنّ: للتوكيد.
{الظَّالِمِينَ}: المشركين الكافرين.
{لَهُمْ}: لهم: اللام: لام الاستحقاق، والاختصاص.
{عَذَابٌ أَلِيمٌ}: شديد الإيلام لا يقدر عليه أحد، والقول: إنّ الظّالمين لهم عذاب أليم قد يكون من كلام الله تعالى- وهو الأغلب- أو تتمة لقول الشّيطان.