سورة النحل ١٦: ٤١
{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِى اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}:
سبب نزول الآية: قيل: نزلت هذه الآية في نفر من الصّحابة في زمن الرّسول -صلى الله عليه وسلم- هاجروا إلى المدينة، وتركوا أموالهم، وديارهم ابتغاء مرضاة الله، كما رُوي عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- ، والعبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السّبب.
{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِى اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا}: الّذين اسم موصول يفيد المدح.
{هَاجَرُوا}: في سبيل الله، وليس لسبب آخر، والهجرة ترك الوطن، أو الدّيار في سبيل الدّعوة، وإقامة الدِّين، أو إعلاء كلمة الله، أو استجابة لأمر من الله ورسوله، وهناك فرق بين هجر، وهاجر، هاجر تعني: أُخرج من وطنه مكرهاً، ومن دون اختيار بسبب الاضطهاد، أو عدم استطاعة إقامة شعائر دينه، أما هجر؛ أيْ: ترك وطنه باختياره، ومن دون أن يكون مضطهداً مثلاً ترك وطنه مختاراً يبحث عن عيشةٍ، أو معاشٍ أفضل.
هاجروا في الله، ولم يقل: إلى الله؛ في الله؛ أيْ: كان أحدهم سابقاً مظلوماً، وصابراً يتحمل الأذى في سبيل دينه؛ فهو في حالة تشبه حالة الهجرة، ثمّ أُلجئ، أو اضطر إلى ترك وطنه؛ فهو كأنّه استمر في هجرته في الله؛ أيْ: سواء أقام في وطنه، أو تركه إلى وطن ثانٍ، هو في هجرة في الله جديدة.
أمّا إذا كان غير مضطهد، أو يتعرض لأذى، وطلب منه الهجرة؛ فهو يهاجر إلى الله.
{مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا}: من: ابتدائية؛ أيْ: هاجروا من بعد أن ظُلموا مباشرة، ولم يكن هناك فاصل طويل بين الظّلم، والهجرة، ولو قال: بعد ما ظلموا لكان هناك فاصل زمنيٌّ طويل، أو قصير بين الظّلم، والهجرة، والفتنة: هنا في الدِّين؛ مثل الاضطهاد، والتّنكيل لكي يرتدُّوا عن دينهم.
{لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً}: لنبوئنَّهم: اللام: لام الاختصاص؛ أي: الاستحقاق، وقد تكون لام التّعليل، أو حتّى هناك من يقول: إنّها لام القسم، أو: الموطئة للقسم، أو: التّوكيد؛ نبوئنَّهم: ننزلهم، أو نسكننَّهم منازل ومساكن أفضل من منازلهم التي هجروها في سبيل الله وهي جنات الفردوس، جنات النعيم التي أعدت لهم مشتقة من فعل باء؛ أيْ: رجع. ارجع إلى الآية (٨٧-٩٣) من سورة يونس؛ للبيان.
{فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً}: أيْ: لننزلنَّهم منزلة أحسن، وأفضل من الّتي كانوا عليها، ونرزقنَّهم رزقاً حسناً آمنين غير خائفين؛ أيْ: عندما يهاجروا إلى الله، أو في الله؛ هذا في الدّنيا. ارجع إلى سورة البقرة، آية (٢٠١)؛ لمعرفة معنى الحسنة.
أمّا في الآخرة: {وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ}: ولأجر: اللام: لام التّوكيد؛ أجر الآخرة: الجنة، ورضوان الله تعالى أكبر بكثير من أجر الدّنيا، بل هو أفضل، وأعظم.
{لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}: لو: شرطية.
{كَانُوا}: تعود إلى المهاجرين لجاهدوا بأموالهم، وأنفسهم أكثر وأكثر، واجتهدوا في صبرهم في سبيل الله لنيل الأجر الأكبر فالأكبر، أو تعود إلى الكفار، والمشركين الّذين أخرجوا المؤمنين من ديارهم، لو كانوا يعلمون ما سيُعطى لهؤلاء المؤمنين من الأجر؛ لتركوهم من دون أذى، أو لآمنوا معهم، أو قد تعود إلى المؤمنين الّذين لم يهاجروا، وفي هذا ترغيب للهجرة في سبيل الله، ونيل أجر الآخرة الأكبر.