سورة النحل ١٦: ١١٨
{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}:
المناسبة: بعد أن ذكر الله سبحانه ما حرَّم مشركو مكة افتراء على الله، وقالوا: هذا حلال، وهذا حرام؛ يذكرنا الله سبحانه ما فعله الذين هادوا من قبل.
{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ}: كان كلّ الطّعام حلالاً لهم، ثمّ حرَّم الله عليهم ما قصصنا عليك يا محمّد -صلى الله عليه وسلم-. والسؤال: لماذا قدم (على) في هذه الآية بدلاً من (وحرمنا على الذين هادو)؟ للدلالة على أن ذلك التحريم خاصاً بهم، ولم يكن محرماً في شريعة إبراهيم -عليه السلام- ، وإنما حرم عليهم ابتداءً عندما صدوا عن سبيل الله، وأخذوا الربا، وأكلوا أموال الناس بالباطل عندها حرم عليهم كل ذي ظفر وشحوم البقر والغنم، وهذا التحريم كان خاصاً بهم دون غيرهم.
{مِنْ قَبْلُ}: أيْ: ما ذكرناه في سورة الأنعام، الآية (١٤٦)، {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ}.
{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ}: لأنّ سبب التّحريم: هو ظلمهم، وصدهم عن سبيل الله، وغيرها من الأسباب الّتي ذكرها الله سبحانه في سورة النّساء، الآية (١٦٠-١٦١)؛ فقد قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ}، وكذلك: اتخاذهم العجل، ونقضهم ميثاقهم، فكانت هناك الأسباب الكثيرة الّتي أدت إلى التّحريم، ولم يكن ظلماً من الله سبحانه.
{وَلَكِنْ}: وما ظلمهم الله، ولكن: حرف استدراك، وتوكيد.
{كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}: بما ارتكبوا من المعاصي، وببغيهم، وطغيانهم.
سورة النّحل الآيات ١١٩ - ١٢٨