سورة الإسراء ١٧: ٣٩
{ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا}:
{ذَلِكَ}: اسم إشارة، واللام: للبعد؛ تشير إلى ما سبق ذكره من الوصايا، والأوامر، والنواهي الإلهية، وكرر كلمة ذلك؛ للتوكيد، وذلك: تصلح للواحد، والجمع.
{مِمَّا}: مركبة من كلمتين: من: الابتدائية البعضية؛ وما: اسم موصول بمعنى: الذي، وما: أوسع في المعنى من: الذي.
{أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ}: أوحى: من الوحي: وهو الإعلام بخفاء، والوحي في الشرع: هو ما يُلقي الله إلى رسله من تكاليف وتعاليم وآيات، ووعد، ووعيد… وغيره.
{إِلَيْكَ رَبُّكَ}: الرب: هو الخالق المربي، والمدبر. ارجع إلى سورة النساء، آية (١٦٣) لمزيد من البيان في معنى الوحي.
{مِنَ الْحِكْمَةِ}: من: هنا بعضية؛ أي: بعض الحكمة، ولذلك أحد تعاريف الحكمة: هي التّكاليف الشّرعية، أو الفقه بأمور الدّين، ولتعريف الحكمة: ارجع إلى سورة النحل، آية (١٢٥).
{وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}: كرر النّهي عن الشرك مرة أخرى في أول آية؛ آية (٢٢)، وآخر آية؛ للتوكيد، وللتذكير بأن التّوحيد هو البداية والنهاية، والفاتحة، والخاتمة، وبدون الوحدانية لا تُقبل تلك الأعمال، وليس لها ثواب.
{فَتُلْقَى فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا}: ملوماً: أي: لا تجعل مع الله إلهاً آخر؛ أي: لا تشرك بالله تعالى؛ فيكون سبباً في إلقائك في جهنم موبخاً ملوماً على شركك. ارجع إلى الآية (٢٩) من السّورة نفسها.
انتبه إلى أول الآيات: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولًا} وآخر الآيات {وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا}.
الآيتان معاً جمعتا: مذموماً مخذولاً، ملوماً مدحوراً؛ أي: الشرك بالله يؤدي بصاحبه إلى الذم، والخذلان، واللوم، والبعد، والطرد من رحمة الله تعالى، وفي الآية الأولى: فتقعد، وفي الثّانية: فتلقى في جهنم، والإلقاء: يكون أولاً، ثم القعود.
فتقعد في جهنم خائر القوى عاجزاً لا تستطيع حتّى القيام.
ولذلك وصف الله الشرك بأنه ظلم عظيم للنفس، والذات، وجاءت الآيات الكثيرة في القرآن محذرة منه.