سورة البقرة ٢: ١٩٨
{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ}:
{لَيْسَ}: فعل ماض ناقص، نفي للحال، أو غير مقيدة بزمن للماضي، والاستمرار والاستقبال.
{عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ}: أي: إثم، {جُنَاحٌ}: من جنح؛ أي: مال عن القصد، وسمي الإثم جناح للميل فيه من الحق إلى الباطل.
{أَنْ}: حرف مصدري يفيد التّوكيد.
{تَبْتَغُوا}: من الابتغاء هو الطلب والالتماس.
{فَضْلًا}: عطاءً ورزقاً، «بتجارة، أو بيع، أو شراء، أو إجارة، أو تقديم الخدمات، أو شراء الهدايا».
{فَضْلًا}: جاءت نكرة؛ لتشمل كل أنواع الفضل «الزّيادة».
{مِنْ رَّبِّكُمْ}: أي: أنّ الفضل والرّزق كله من عند الله، وإياكم أن تقولوا: إنّ تقديم الأسباب وحده كافٍ، فلا بد من التّوكل على الله وحده.
{فَإِذَا}: الفاء: للتأكيد، إذا ظرفية زمانية تتضمن معنى «حين»، وتدل على حتمية الحدوث، أو كثرته؛ أي: الإفاضة.
{أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ}: أصله أفضتم أنفسكم؛ أي: دفعتم من عرفات، فترك ذكر المفعول «أنفسكم».
واستبدلت بأفضتم: من الإفاضة، وهي دفع بكثرة تشبيهاً بفيض الماء الكثير، وفاض الماء إذا سال منصباً، فكأنّ عرفات إناء قد امتلأ، وكأن الدّفع من عرفات سيل فتدفق، وهكذا دوماً تكون الإفاضة من عرفات بعد غروب الشمس من اليوم التّاسع من ذي الحجة.
{مِّنْ عَرَفَاتٍ}: بعد الوقوف بها، والّذي هو فرض، أو ركن من أركان الحج، إلى مزدلفة، وعرفات: اسم علم من ملحقات الجمع المؤنث السّالم، واسم المكان الّذي يقف فيه الحجاج يوم التّاسع من ذي الحجة؛ أي: المكان الفسيح، ولا يعني جبل الرّحمة الّذي يقف عليه بعض الحجاج فقط.
وقيل في معنى عرفات أقوال مختلفة تنسب إلى مكان لقاء آدم بحواء بعد هبوطهما من الجنة.
{فَاذْكُرُوا}: الفاء: للتعقيب، والتّرتيب.
{فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ}: أي: بالتلبية، والتّكبير، والتحميد، والصّلاة فيه المغرب والعشاء جمعاً، والفجر، والدّعاء عند المشعر الحرام في مزدلفة.
وقيل: هو جبل قزح، وقيل: ما بين جبلي المزدلفة من مضيقي عرفة ووادي محسر.
وسمي المشعر الحرام: من الشّعار وهو العلامة؛ لأنّه من معالم الحج، وصف بالحرام: لحرمته.
{وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ}: كما الكاف للتشبيه، وما: المصدرية.
وبعضهم قال: للتعليل؛ أي: اذكروه لهدايته إياكم إلى معالم دينه ومناسك حجه، وكيف تحجون، وتكرار واذكروه: للمبالغة عن أهمية الذّكر في أيام الحج، وعند تلك المشاعر، وتعني: المواصلة في الذّكر.
{وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ}: {وَإِنْ}: الواو: استئنافية، إن: مخففة تفيد التّوكيد، {كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ}: «ها الضّمير هنا» تعود على الهدى، وهو القرآن، أو الإسلام، أو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد ترجع إلى كل ذلك معاً.
{لَمِنَ}: اللام: لام الاختصاص، من: ابتدائية. {الضَّالِّينَ}: جمع ضال، والضّلال هو الانحراف، والبعد عن الهدى، وسواء كان ضلال في الاعتقاد، أو ضلال في العمل، أو غيره.
والضّالين: جمع ضال، اسم فاعل من ضل، والضّالين: جملة اسمية تدل على ثبوت صفة الضّلال عندهم، والضّالين الّذين جهلوا الحق فضلوا، وقد يضلوا غيرهم.
والضّلال سببه الجهل بالحق، وأما الغي: فهو العدول عن الحق بعد معرفته، والضّلال له معان شتى: يعني الهلاك، ويعني: الضياع، والنسيان. يقال: ضل عن قومه؛ أي: ضائع لا يعرف منزله، ويعني: الغيبوبة والاضمحلال، كما في قوله: {وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِى الْأَرْضِ} السجدة: ١٠؛ أي: دفنوا وغابوا فيها، وضل الشّيء: خفي، وغاب، وضل المسافر؛ أي: لم يعرف طريقه. فالضلال في الدِّين هو العدول عن المنهج، والصواب، والضّلال قد يكون مقصوداً وبيِّناً؛ أي: يعرف المنهج وينحرف عنه، أو غير مقصود؛ كمن ينسى، أو يسهو، والضّلال إما يقتصر على صاحبه، أو يتعدَّى صاحبه فيضل غيره، وبذلك يكون قد أضلَّ ذاته (إضلال النفس)، كقوله: {وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ} آل عمران: ٦٩.