سورة الإسراء ١٧: ٥٩
{وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}:
{وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ}: ما: النّافية.
{مَنَعَنَا}: لا يمنع الله سبحانه أيُّ شيء، واستعمل منعنا بدلاً من صرفنا؛ أي: وما صرفنا عن إرسال الآيات الّتي طلبوها، أو المعجزات الّتي اقترحوها مثل تحويل الصفا إلى ذهب، أو أن ينحّي عنهم جبال مكة كي يزرعوا ويحصدوا، كما أخرج الإمام أحمد وغيره عن ابن عباس، أو غيرها من الآيات الّتي سيأتي ذكرها في الآيات القادمة (٩٠-٩٣)، والآيات تعني: المعجزات.
{إِلَّا}: أداة حصر.
{أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ}: أي: ما صرفنا عن الاستجابة إلى طلبهم بإرسال الآيات الّتي اقترحوها إلا تكذيب الأولين الّذين سبقوهم بتلك المعجزات، أو الآيات؛ لأنّه لو أرسلنا تلك الآيات، واستجبنا لما طلبوه، ولم يؤمنوا بعدها، لَحقَّ عليهم العذاب، وهلكوا كما حدث لقوم ثمود الّذين ظلموا بها؛ أي: بالنّاقة الّتي أرسلت إليهم كآية:
{وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ}: وأرسلنا إلى ثمود النّاقة؛ كآية معجزة دالة على صدق نبوة صالح. ارجع إلى سورة البقرة آية (٢٥١) لبيان معنى الإيتاء والعطاء.
{مُبْصِرَةً}: بينة، واضحة على نبوة صالح، وصدق ما دعاهم إليه، ونسب الإبصار إلى الناقة؛ لأنها كانت سبباً كافياً للدلالة لإبصار طريق الهدى والإيمان؛ مبصرة كالنهار، مبصراً بنوره، وهم عمون عن الحق.
{فَظَلَمُوا بِهَا}: الفاء: للتعقيب، والمباشرة؛ ظلموا بها؛ أي: بالنّاقة كآية؛ أي: جحدوا بها، وكذبوا بها، ولم يمتثلوا أوامر نبيهم صالح؛ فأخذتهم الصيحة؛ {فَأَصْبَحُوا فِى دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} هود: ٦٧. والسؤال لماذا خص ثمود بالذكر دون غيرهم؛ لأن قصة ثمود وآية الناقة التي أرسلت إليهم اشتهرت بين العرب، ولأن آثار ديارهم لا زالت قائمة بين مكة والشام، ويمكن الوصول إليها ورؤيتها.
{وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}: أي: ما نرسل بالآيات؛ آيات التنزيل، أو المعجزات، أو الكونية إلا حصراً، وقصراً؛ لتخويف العباد؛ كي يتذكروا، أو يتعظوا، أو يصحوا من سباتهم، ويتوبوا إلى الله، ويؤمنوا به، وبما أُنزل عليهم من الآيات وتشمل الآيات الكونية، والزلازل، والبراكين، والأحداث الجوية.
{إِلَّا تَخْوِيفًا}: أي: إنذاراً؛ أي: وما نرسل بآيات القرآن إلا تحذيراً، وإنذاراً بعذاب الآخرة، والخوف: هو توقع الضرر المشكوك في وقوعه، وأما الحذر: فهو توقي الضرر سواء أكان ظناً أم يقيناً.