سورة الكهف ١٨: ٢٠
{إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِى مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا}:
{إِنَّهُمْ إِنْ}: إنّهم: للتوكيد.
{إِنْ}: شرطية تفيد احتمال الحدوث، أو النّدرة، أو الافتراض.
{يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ}: يطَّلعوا عليكم، أو يظفروا بكم، أو يعلموا مكانكم.
{يَرْجُمُوكُمْ}: أي: يقتلوكم رمياً بالحجارة.
{أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِى مِلَّتِهِمْ}: في شريعتهم كرهاً، والملة: هي الشّريعة، أو الطريقة، أو المذهب. ارجع إلى سورة إبراهيم، آية (١٣)؛ للبيان.
{وَلَنْ}: للنفي للمستقبل القريب، أو البعيد.
{تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا}: إذا عدتم في ملتهم، أو أحيط بكم؛ فلن تفلحوا.
{تُفْلِحُوا}: تنجو من عذاب الله، وتفوزوا بالآخرة؛ أي: بالجنة.
{إِذًا}: حرف جواب، وجزاء للتوكيد.
{أَبَدًا}: للتوكيد؛ أي: إذا عدتم في ملتهِم، وأمّا إذا عثروا عليهم ورجموهم فهم سيكونوا شهداء في سبيل الله.
٢١ٍ {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا}:
{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ}: وكذلك؛ أي: مثل ذلك (تفيد التشبيه)، كما بعثناهم أحياء ليتساءلوا بينهم.
{أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ}: أطلعنا عليهم النّاس الّذين جاؤوا بعد (٣ قرون).
{لِيَعْلَمُوا أَنَّ}: ليعلموا: اللام: لام التّوكيد.
{أَنَّ}: لزيادة التّوكيد.
{وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}: وعد الله بالبعث حق، وعد الله حق؛ أي: ثابت لا يتغير؛ لأنّ الضّرب على آذانهم وهم رقود لمدة ثلاث مائة سنين وتسع يشبه، أو يمثل حياة البرزخ، ثمّ بعثهم يمثل حالة من يبعث من قبره، ويساق إلى أرض المحشر عند قيام السّاعة.
{وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا}: أنّ: للتوكيد، ولم يقل: آتيه؛ لأنّه في هذه الآية لا يتحدث عن السّاعة؛ أي: لحظة تهدم النّظام الكوني، وإنما يتحدث عن ساعة قيام الفتية من نومهم، وبعثهم بعد (٣٠٩ سنة) دليلاً على آتيه، وكلمة ليعلموا: تعود على أصحاب الكهف، أو تعود على قومهم؛ فإذا كانت تعود على أصحاب الكهف؛ فهم يعلمون أنّ وعد الله حق؛ لأنّهم يؤمنوا بالله، ولو قال: كي يعلموا ذلك؛ يعني: أن الفتية لا يعلموا أن وعد الله حق، وهذا ليس صحيحاً، وإذا كانت تعود إلى قومهم.
{لِيَعْلَمُوا}: اللام: للتأكيد؛ ليعلموا قومهم من إحياء أصحاب الكهف أنّ وعد الله بالبعث حق، وأنّ السّاعة؛ أي: ساعة تهدم النّظام الكوني لا ريب فيها؛ فكلا المعنيين وارد.
{إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ}: إذ: ظرف زماني للزمن الماضي.
{يَتَنَازَعُونَ}: بصيغة الفعل المضارع الدّالة على التجدد، والتكرار، أو حكاية الحال، لم يقل: تنازعوا: للدلالة على الماضي؛ لأنّ الكثير من النّاس لا زالوا يتنازعون، يتخاصمون في أهل الكهف، وعددهم، ومكانهم، وشأنهم، والتّنازع في ذلك الزّمان حدث بين أفراد الجماعة الّتي عثرت على أصحاب الكهف بعد بعثهم من مرقدهم، والتّنازع في اتخاذ بنيان لهم يضم قبورهم، أو اتخاذ مسجدٍ عليهم.
وانتبه إلى تقديم كلمة بينهم بدلاً من قوله؛ إذ يتنازعون أمرهم بينهم؛ أخر كلمة أمرهم؛ لأنّ أمر أصحاب الكهف لم يُعد سراً، والكلّ يعلم بقصتهم، والنّاس كلهم قد آمنوا حين عُثر عليهم بعد (٣٠٩ سنة)، ولنعلم أن الكثير من النّاس حتّى يومنا هذا لا زالوا يتنازعون في أصحاب الكهف عددهم ومكانهم وقصتهم.
ولو قارنا هذه الآية مع الآية (٦٢) من سورة طه: {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى}: الآية تتحدث عن سحرة فرعون قبل إلقاء عصيهم، وحبالهم.
ففي هذه الآية جاء بفعل ماض: تنازعوا، وجاء بكلمة: أمرهم قبل بينهم؛ فقال: أمرهم بينهم؛ قدم أمرهم هنا؛ لأنّه كان أمر سري، وهام، ولم يطلعوا السّحرة عليه أحداً من النّاس، وأمّا المجيء بالفعل الماضي تنازعوا؛ لأنّ التّخاصم، والتّنازع بين السّحرة كان مرة واحدة وانتهى بعد أن تبين لهم الحق حين ألقى موسى عصاه، والتقفت ما صنعوا، وبعدها آمنوا برب العالمين، وانتهى الأمر.
{فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا}: قسم من الّذين عثروا على أصحاب الكهف اقترحوا أن يبنوا عليهم بنياناً.
{بُنْيَانًا}: من البناء، والبنيان يختلف عن البناء؛ البنيان: هو الثابت الّذي لا يتغير، ويدوم قروناً طويلة؛ مثل: الأبنية الأثرية التاريخية؛ كالأهرامات. أما البناء: ليس ثابتاً قد يتغير؛ مثل: المنازل العادية.
{قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ}: أي: قال الأكثرية؛ أي: أهل المدينة المؤمنون، أو الرّؤساء القادة؛ أي: الملك، وأصحابه المؤمنون: لنتخذن عليهم مسجداً.
{لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا}: لنتّخذنّ: اللام: للتوكيد، والنّون: لزيادة التّوكيد؛ أي: لنبنينَّ عليهم مسجداً.