سورة الكهف ١٨: ٤٦
{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}:
{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}: المال والبنون: جمع المال والبنون في حكم واحد وهو زينة الحياة الدنيا، والزّينة: ما يتجمل به الإنسان من الحلي، والذّهب، والفضة، والزّينة: الأمر الزّائد عن ضروريات الحياة، ومقوماتها، ولكنها زينة سريعة الزّوال لا تدوم طويلاً؛ لأنّها متاع الغرور، ومجرد فتنة للناس.
وجاءت هذه الآية في سياق: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}، وقدم المال على البنون؛ لأنّ المال أعم؛ كلّ إنسان لديه المال، وإن قل. أمّا البنون: فليس كلّ إنسان له بنين؛ فقدم الكثير على القليل.
{وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا}: الباقيات الصّالحات: قيل: هي العبادات (الفرائض)، والذّكر: (تسبيح، وتحميد، وتكبير)، وأعمال الخير، والنّوافل، وسميت الباقيات الصّالحات؛ لأنّها باقية في الآخرة، وغير زائلة بزوال الدّنيا، كما يزول المال والبنون.
{خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا}: أفضل ثواباً، وجزاءً عند ربك من المال والبنين، فالله سبحانه ثوابه أفضل ثواب.
{وَخَيْرٌ أَمَلًا}: خير طمعاً فيما يطمع النّاس في الحصول عليه من عرض الدّنيا، ومتاعها أملاً في النّجاة من النّار، والفوز بالجنة، ورضوان الله، ورؤية وجهه الكريم، وتكرار خير للتوكيد، ولفصل كلّ منهما على حدة الثّواب، والأمل، وكلاهما معاً.
ولنقارن هذه الآية (٤٦) من سورة الكهف: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}، والآية (٧٦) من سورة مريم: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا}: الاختلاف في خير أملاً، وخير مرداً؛ خير أملاً: انظر إلى ما سبق شرحه، أما خير مرداً: المرد هو المرجع إلى الله تعالى، أو خير مردود؛ أي: تعطي نتاج، أو محصول من الحسنات خير من الأثاث والرِءَيا.
وإذا قارنا هذه الآية (٤٦) من سورة الكهف، مع الآية (١٤) من سورة آل عمران: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ}: الآية في آل عمران تتحدث عن حب الشّهوة؛ بينما الآية في سورة الكهف تتحدث عن حب المال، والبنين؛ فالحب شيء، والشّهوة شيء آخر، فالمحبة تختلف عن الشهوة؛ لأن المحبة يمكن التحكم بها بالإرادة، وأما الشهوة فهي توقان النفس لشيء، وليست من قبيل الإرادة، وشهوة النّساء أقوى الشّهوات عند الرّجل الشاب المعافى من شهوة المال، والأولاد، ولذلك قدمها على حب البنين، والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضة، وقدم شهوة الأولاد على شهوة المال (القناطير المقنطرة) بعكس ما ورد في آية الكهف؛ فالسّياق مختلف في كلّ آية.
وإذا قارنا الآية (٤٦) من سورة الكهف: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}، والآية (٤٤) من سورة الكهف: {هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا}.
الآية (٤٦): تتحدث عن الباقيات الصّالحات.
أمّا الآية (٤٤): تتحدث عن الله؛ أي: عن ذاته سبحانه الّذي يثيب على الباقيات الصّالحات، والقائل: {هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} متيقن من رحمة الله، وثوابه.
وأمّا القائل: {خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}: هو متأمل بالوسائل المقدمة لنيل الثّواب والرّحمة، وليس ضامن، وكلاهما مطلوب الأمل واليقين برحمة الله، وثوابه؛ لأن (هو) تفيد التوكيد.