سورة البقرة ٢: ٢١٢
{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}:
{زُيِّنَ}: فعل ماض مبني للمجهول، وجاء به كفعل ماض كأنّه أمر طارئ لا يلبث أن يزول، والتّزين أمر قديم، والمزين هنا الشّيطان، والتّزيين يكون بالوساوس، والإغراء، والتّحسين، والشّهوة العاجلة.
{لِلَّذِينَ كَفَرُوا}: اللام: لام الاختصاص، الّذين كفروا: أي: من يسير على درب الكفر. ارجع إلى الآية (٦) من نفس السورة لمزيد من البيان.
{الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}: {الدُّنْيَا}: من الدّنو؛ أي: القرب، وتسمى العاجلة، مقارنة بالآخرة، أو تعني: الدنيئة، الحياة السّفلية، فالشّيطان زين للكافرين الحياة الدّنيا حتّى فتنوا بها وأحبوها حباً شديداً، وآثروها على الآخرة، فلا يحسدون عليها.
{وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا}: يسخرون: جاءت بصيغة المضارع؛ لتدل على تجدد فعل السّخرية عندهم من الّذين آمنوا، وأنّه مستمر ولا ينقطع في الحياة الدّنيا، والسّخرية: هي الاحتقار، والذّل، والازدراء؛ لضعف، أو عيب، أو نقص، أو جبن، وتكون قولاً، أو فعلاً في وجه المسخور منه، والسّخرية: لا تستعمل إلَّا مع الأشخاص، أو الأعمال، ولا بدَّ من وقوع فعل سابق من المسخور منه؛ أي: لا بد من وجود سبب يدعو إلى السخرية، وتختلف عن الاستهزاء الذي لا يقتضي بوجود سبب له، يسخرون من الّذين آمنوا؛ لكونهم فقراء، أو لتصديقهم بالآخرة، أو اتِّباعهم النّبي -صلى الله عليه وسلم-، أو لكونهم قلة، وغيرها…
{وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}؛ أي: المؤمنين في الجنة في عليين، والكفار في سجين، أو النّار، أو فوقهم منزلة ودرجة.
{وَالَّذِينَ اتَّقَوْا}: جملة اسمية؛ تدل على الثّبوت، والاستعلاء، والدّيمومة.
{وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}: بغير تقدير، ولا حصر، ولا تعداد؛ لأنّ خزائنه لا تنفذ، ولا تنقص، ولا علاقة لهذا الرزق له بكثرة الطّاعة، أو قلتها، أو بكونه مطيعاً، أو عاصياً مؤمناً، أو كافراً، ولا يعني ذلك من دون حكمة، ومن دون ابتلاء، والرّزق لا ينحصر في المال فقط، بل كذلك العلم، والخلق، والأهل، والجاه، بغير أن يُسأل سبحانه عما يفعل لماذا ترزق فلان ولا ترزق فلان، والرّزق قد يحصل من حيث لا يحتسب العبد.