سورة مريم ١٩: ٥
{وَإِنِّى خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِنْ وَرَاءِى وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرًا فَهَبْ لِى مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا}:
{وَإِنِّى}: للتوكيد.
{خِفْتُ}: من الخوف، والخوف: هو توقع الضرر المشكوك في وقوعه؛ الخوف: ناشئ عن كون مواليه غير كفءٍ لحمل رسالته، ووراثة علمه، ونشر الدّين.
{الْمَوَالِىَ}: الأقارب، وعادة تطلق على بني العم، والعصبة.
{مِنْ وَرَاءِى}: من بعدي (بعد موته).
{وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرًا}: أي: كانت في الماضي عاقراً؛ {وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرًا}: كان هذا القول عندما دعا زكريا ربه، أمّا قوله: {وَامْرَأَتِى عَاقِرٌ}: أي: هي عاقر الآن، كان هذا القول عند البشارة بيحيى، كما ورد في سورة آل عمران، الآية (٤٠)، والواو في وامرتي: واو الحال. إذن: امرأة زكريا كانت، ولا زالت عاقراً؛ أي: لا تلد، وغير صالحة للإنجاب منذ شبابها إلى حين الدّعاء، ومرض العقر غير العقم، وكلاهما يحدث فيهما الإخفاق في الحمل، أو عدم الحمل. إذن قال زكريا: {وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرًا} عند الدعاء، وامرأتي عاقراً عند البشارة؛ أي: في زمنين مختلفين.
ولكن هناك فرق بينهما.
المرأة العاقر: يعني: كانت قادرة على الإنجاب، ولكن أصابها الكبر والتّقدم في السّن؛ فأصبحت عاقراً، أو أصابها مرض عضوي أدى إلى العقر، وقد يكون قابلاً للعلاج، وهو أمر نسبي.
أمّا كونها عقيم: فيدل على كونها لم تكن قادرة على الإنجاب منذ بلوغها؛ لإصابتها بمرض، أو تشوه خلقي؛ فيستحيل معه القدرة على الإنجاب، أو العلاج، وهذا ما رأيناه في حالة امرأة إبراهيم -عليه السلام- الّتي قالت عن نفسها: {عَجُوزٌ عَقِيمٌ} الذاريات: ٢٩.
{فَهَبْ لِى مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا}: فهب: الفاء: للتوكيد؛ هب لي: الهبة عطاء بدون مقابل، وغير مقيد بالأسباب. ارجع إلى سورة آل عمران، آية (٨)؛ لمزيد من البيان.
{مِنْ لَدُنْكَ}: ولم يقل: من عندك؛ من لدنك: تستعمل في الشّيء، أو الأمر الخاص، وليس العام، وهو أن يهب له ولداً وهو في سن الشّيخوخة وامرأته عاقر.
{وَلِيًّا}: أي: ولداً؛ أي: أن تلد امرأة، وهي بهذه الحالة كمعجزة، ولو قال: من عندك: قد تعني أن يتزوج امرأة أخرى، أو يقدم الأسباب كالعلاج. ارجع إلى سورة الكهف، آية (٦٥)؛ لبيان معنى: من لدنك.