سورة البقرة ٢: ٢١٥
{يَسْـئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}:
سبب النّزول: كما روى ابن عبّاس -رضي الله عنهما- : هو أنّ عمر ابن جمحوج الأنصاري كان شيخاً له مال كثير، فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ماذا ننفق من أموالنا، وأين ننفقه، فنزلت هذه الآية، والعبرة ليست بخصوص السّبب، وإنّما بعموم اللّفظ.
{يَسْـئَلُونَكَ}: يعني: السائل يقف أمام المسؤول ليسأله، بينما {يَسْـئَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ} النّساء: ١٥٣، ليس ضرورياً أن يكون السّائل أمام المسؤول ليسأله.
{يَسْـئَلُونَكَ}: السّؤال في حكم شرعي، أو غير حكم، أو أمر يهم النّاس، ودائماً يأتي بعد كلمة يسألونك قل إلَّا في آية واحدة جاءت كلمة فقل، والسّبب في ذلك أنّ السّؤال لم يُسأل حتّى ذلك الحين، وسوف يُسأل في المستقبل، كما جاء في قوله تعالى: {وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّى نَسْفًا} طه: ١٠٥. ويسألونك جاءت بصيغة المضارع في (١٥) آية، وآية واحدة جاءت بصيغة الماضي: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى}.
أما الفرق بين يسألونك، و: ويسألونك «بزيادة الواو» هناك تفسيرات:
التفسير الأول: حين يبدأ بـ {يَسْـئَلُونَكَ}: يبدأ موضوعاً جديداً؛ أي: بداية كلام جديد، وحين يبدأ بـ {وَيَسْـئَلُونَكَ} فيها عطف بالواو على ما قبلها؛ أي: تتمة لما سبقه.
التفسير الثّاني: وهو الأقوى، حين يقول: ويسألونك «بالواو»؛ يعني: أنّهم سألوا ذلك السّؤال مع أسئلة أخرى في زمن، أو وقت واحد؛ أي: سألوه سؤال تلو الآخر، أمّا حين يقول: يسألونك فتعني سألوه أسئلة في أزمان مختلفة، وأحوال متفرقة.
{مَاذَا}: أقوى في الاستفهام من ما لوحدها.
{قُلْ}: يا محمّد -صلى الله عليه وسلم-.
{مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ}: ما: شرطية، {أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ}: الخير هو المال وتعريف الخير: هو الشّيء الحلال الطّيب الحسن النّافع، من: استغراقية تستغرق كل خير. أما أين تنفقه:
{فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}: الفاء: رابطة لجواب الشّرط، تفيد التّوكيد، واللام في للوالدين: لام الاختصاص والاستحقاق، والأفضل الإنفاق على الوالدين، والأقارب؛ لأنّه أعظم ثواباً يجمع صلة الرّحم، وثواب الإنفاق؛ لأنّ الباقي المساكين، وابن السّبيل، واليتامى تشملهم آية الزّكاة.
{وَمَا}: ما: هنا شرطية.
{تَفْعَلُوا}: أي: تنفقوا، أو تخفوا في صدوركم.
{مِنْ خَيْرٍ}: من استغراقية تشمل كل خير، والخير كما سبق هو الشّيء الحلال الطّيب الحسن النّافع.
{فَإِنَّ اللَّهَ}: الفاء وإن: للتوكيد.
{بِهِ عَلِيمٌ}: عليم صفة مبالغة؛ أي: كثير العلم، يعلم ما تنفقون، أو أحاط علمه بكل نفقة صغيرة، أو كبيرة، وأحاط علمه بما تخفي الصّدور، ارجع إلى الآية (٢٩) للبيان، وهذه الآية تحض على نفقة التّطوع.