سورة البقرة ٢: ٢١٧
{يَسْـئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}:
سبب النّزول: حين قتل الصّحابة ابن الحضرمي، ولم يدروا يوم قتلوه أنهم دخلوا في الأشهر الحرم كانوا يظنون من جمادى الأخرى، وكان أول يوم من رجب، فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في الشّهر الحرام «أي: رجب»، فنزلت هذه الآية، واختلف العلماء في تحريم القتال في الأشهر الحرم، فمنهم من قال: أنّ الحكم باق، ومنهم من قال: إنّه منسوخ بسبب هذه الآية.
{يَسْـئَلُونَكَ}: ارجع إلى الآية (١٨٩) من سورة البقرة للبيان.
{عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ}: الأشهر الحرم: وهي أربعة أشهر في العام، وهي رجب «فرد»، وثلاثة سرد «ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم»، ومعنى الأشهر الحرم: أي: أنّ القتال محرَّم فيها، لقوله تعالى في سورة التّوبة آية (٣٦): {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}، والشهر: اسم جنس.
{قِتَالٍ فِيهِ}: أي: يسألونك عن القتال في الأشهر الحرم.
{قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ}: قل يا محمّد -صلى الله عليه وسلم-: القتال في الأشهر الحرم ذنب عظيم مستنكر.
{وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}: ومنع النّاس عن سبيل الله «عن دين الله»، أيضاً ذنب عظيم أكبر من القتال في الأشهر الحرم.
{وَكُفْرٌ بِهِ}: بالله، ذنب عظيم أكبر من القتل في الشّهر الحرام.
{وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}: والصّد عن المسجد الحرام بمنع النّاس من الحج والعمرة ذنب عظيم.
{وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ}: أي: إخراج الرّسول -صلى الله عليه وسلم-، والصّحابة من مكة، أكبر عند الله؛ أي: أكبر على وزن أفعل؛ أي: أعظم من القتال في الأشهر الحرم.
{وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}: الشّرك، والكفر، واضطهاد المسلمين ليكفروا ويرتدوا عن دين الله أكبر من القتل؛ أي: أعظم وزناً من القتل.
{وَلَا}: الواو: استئنافية، لا: النّافية.
{يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ}؛ أي: لا يزالون مستمرين على قتالكم، وعداوتكم، والنّون في يقاتلونكم؛ للتّأكيد.
{حَتَّى}: حرف غاية نهاية الغاية، والغاية هي {يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ}.
{يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ}: أي: يعيدوكم إلى الكفر، والشرك بالرّدة، والإكراه.
{إِنِ اسْتَطَاعُوا}: إن: شرطية تتضمن معنى الشّك في الحدوث، أو النّدرة؛ «أي: وقلما يحدث ذلك».
{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَنْ دِينِهِ}: ومن: الواو استئنافية، من: شرطية، يرتدد بفك الإدغام، والفك «فك الإدغام» أثقل من الإدغام كقوله: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَنْ دِينِهِ}، كما جاء في سورة المائدة، آية (٥٤).
فجاء بالفعل الثّقيل يرتدد في سياق الحرب والقتال والفتنة في سورة البقرة؛ أي: ليناسب الحال، وبالإدغام يرتد في سورة المائدة، في سياق الرّدة من الإسلام إلى الكفر في حالة السّلم والصّلح.
{فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ}: الفاء: تدل على التّرتيب والتّعقيب، يمت: وهو كافر: هو: تفيد الحصر والتّوكيد؛ أي: يمت هو في حالة الكفر.
{فَأُولَئِكَ}: الفاء: للتّوكيد، أولئك: اسم إشارة، واللام للبعد.
{حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ}: بطلت وفسدت أعمالهم وذهب ثوابها في الآخرة.
{حَبِطَتْ}: أصلها من مرض الحبط؛ أي: الحبن؛ الّذي يصيب الماشية، وهو مرض يصيب الكبد، فينتفخ بطنها بالسّوائل، وتصاب بالحبن «انتفاخ البطن بالسوائل»، فيظنها المشاهد سمينة، ويفرح بها لما فيها من اللّحم، ولكنّه يفاجأ بأنّه مرض، وليس شحماً، فلا يستفاد منها بشيء عند ذبحها؛ لفسادها حتّى أنّه يشمئز من رائحتها، وهكذا أعمال الكفرة.
{وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}: كما سبق، وإعادة أولئك تفيد التّوكيد، ارجع إلى الآية (٣٩) من سورة البقرة.