سورة مريم ١٩: ٤٥
{يَاأَبَتِ إِنِّى أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا}:
{يَاأَبَتِ}: ارجع إلى الآية (٤٣).
{إِنِّى}: للتوكيد.
{أَخَافُ أَنْ}: أن: تفيد التّعليل. وأخاف من الخوف: هو توقع الضرر المشكوك في وقوعه.
{يَمَسَّكَ عَذَابٌ}: يمسسك: المس: هو أخف، أو أدنى درجات اللمس، ومجرد التقاء شيء بشيء، ولو لأقل من ثانية من الزّمان؛ أي: أقل درجات الإصابة الخفيفة جداً، ولم يقل: يصيبك، أو يحل عليك، وهذا يدل على منتهى شفقة إبراهيم على عمّه، والحرص على نجاته من العذاب.
{مِنَ الرَّحْمَنِ}: اختار اسم الرّحمن مع كلمة العذاب بدلاً من الجبار، أو القهار؛ لأنّ الرّحمن من الرّحمة، والرّحمن على وزن: فعلان؛ تفيد التّجدد، والتّكرار، والرّحمن للمؤمن والعاصي؛ لعل ذكر الرّحمن مع العذاب يخفف من درجة العذاب، كما لو كان العذاب من العزيز الجبار، أو لا تغتر بكونه الرحمن فهو الغفور الرحيم، وأن عذابه هو العذاب الأليم، كما قال تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِى أَنِّى أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} الحجر: ٤٩-٥٠.
فهو اختار المس، واختار الرّحمن؛ ليدل ذلك على منتهى الشّفقة على عمّه، وحرصه على نجاته من العذاب، ولعله يرجع عن شركه، وقوله: أن يمسسك عذاب من الرّحمن في الدّنيا، أو في الآخرة.
{فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا}: ولياً: من ولي: وهو القريب، أو الّذي يليك؛ أي: معيناً أو ظهيراً.
فهذه النّداءات الأربعة تمثل جانباً أو نموذجاً من نماذج كيفية الدّعوة إلى الله بالموعظة الحسنة، والبيان، وتجنب القسوة، والجدال.