سورة مريم ١٩: ٦٤
{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}:
{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ}: وما: الواو: استئنافية؛ ما: النّافية.
{نَتَنَزَّلُ}: تعود على جبريل -عليه السلام- ، وجاءت بصيغة التّعظيم.
{إِلَّا}: أداة حصر.
{بِأَمْرِ رَبِّكَ}: بإذنه، ومشيئته.
قيل في سبب نزول هذه الآية كما ورد في أسباب النزول للواحدي، وقاله عكرمة وقتادة والضحاك، وروى البخاري: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لجبريل -عليه السلام- : «ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا» فنزلت هذه الآية: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ}: إنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استبطأ نزول الوحي (جبريل -عليه السلام- ) بعد أن سأله كفار مكة عن أهل الكهف، وذي القرنين، والرّوح، وأصبح في حرج؛ لعدم نزول جبريل بالجواب على تلك الأسئلة، وتأخر ـ كما قيل ـ خمسة عشر يوماً، فلما نزل عليه جبريل سأله -عليه السلام- : لقد أبطأت عنا يا جبريل. قال جبريل: وأنا أشوق إليك، وما نتنزل إلا بأمر ربك.
{لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا}: أي: يعلم كلّ ما هو قادم؛ أي: ما بقي من أمر الدّنيا والآخرة، أو: إليه يرجع كلّ أمر للقضاء، أو الإذن فيه، سواء أكان في الحاضر، أو الماضي، أو ما تقدم، وما تأخر، أو ما في الماضي، والمستقبل، وما بين ذلك؛ أي: الحاضر، والحال.
{وَمَا خَلْفَنَا}: أي: ويعلم كلّ ما مضى من أمر الدّنيا، وقبل أن نُخلق.
{وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ}: من حياة البرزخ، وما بين النّفختين، يعلم كلّ سؤال ودعاء، وهو بكلّ شيء عليم. أو ما سأله أهل مكة عن أصحاب الكهف، وذي القرنين، والرّوح، والحاضر، والمستقبل، والحال.
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}: أي: ما: النّافية لكلّ الأزمان. كان ناسياً أن يُنزل عليك الوحي مباشرة، أو نسياً: هاجرك، وتاركك، وحاشا لله أنّ ينسى كما ينسى خلقه، أو يغفل، أو تأخذه سنة، أو نوم، وتأخر نزول الوحي عليك ليس سببه النّسيان، أو التّرك، والهجر، وإنما لحكمة يعلمها سبحانه وحده، وقد تكون كما بيناها في الآيتين (٢٣-٢٤) من سورة الكهف.