سورة طه ٢٠: ٥٨
{فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى}:
{فَلَنَأْتِيَنَّكَ}: الفاء: للتوكيد، وكذلك النّون: لزيادة التّوكيد.
{بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ}: تعريف السّحر لغةً: هو كل أمر يخفى سببه، ويتخيل على غير حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخداع، وأصل السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره.
والسحر اصطلاحاً: هو المخادعة، والتخييل، أو عزائم ورقى وعُقد.
والسحر يقسم إلى السحر الحقيقي: الذي له تأثير حقيقي يؤدي إلى الضرر بالمسحور حتى يصل إلى درجة المرض أو التفريق بين المرء وزوجه، والهذيان والنسيان، وكما قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِى الْعُقَدِ} الفلق: ٤، {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} البقرة: ١٠٢.
والقسم الثاني: هو السحر التخيلي: وهو السحر المبني على التمويه، والخداع، والتخيل الذي لا حقيقة له، كما فعل سحرة فرعون: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} طه: ٦٦ رغم أن حبالهم وعصيهم لم تتغير، وهذا قد يؤدي إلى الفزع والخوف والضرر.
فالسّحر لا يقلب حقيقة الشّيء، بل يظل الشّيء على حقيقته، ويقع السّحر للرائي فيرى الأشياء على غير حقيقتها؛ أي: سحر أعينهم.
فالسّحرة حين ألقوا حبالهم بقيت الحبال حبالاً في الحقيقة، ولكن الّذي رأى الحبال ونظر إليها رآها حيات، أو ثعابين تسعى، أمّا عصا موسى فعندما ألقاها تحولت إلى حية حقيقية تسعى، وليس سحراً.
{فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا}: الفاء: للتعقيب، والمباشرة.
{بَيْنَنَا}: فرعون وملئه، وبينك يا موسى.
{مَوْعِدًا}: مصدر من: وعد، والموعد يكون زماناً ومكاناً.
{لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ}: أي: نتفق عليه معاً، ولا يُخلفُه أيٌّ منا.
{مَكَانًا سُوًى}: أي: وسطاً عدلاً يستوي طرفاه؛ يعني: مكاناً وسطاً، وسط المدينة، أو يسهل على الكل الوصول إليه، أو الحضور إليه.
وقيل: سوى: مستوياً بحيث يستطيع الجميع رؤية ما يحدث، كما نراه في الملاعب الرّياضية.