سورة طه ٢٠: ١٢٨
{أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِى مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِى النُّهَى}:
{أَفَلَمْ}: الهمزة: همزة استفهام وتحذير، الفاء: للتوكيد على شدة الإنذار والتّحذير.
{يَهْدِ لَهُمْ}: يتبين. لهم: اللام: لام الاختصاص للمشركين من قريش، أو للكافرين عامة، وفي سورة السجدة آية (٢٦) قال تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِم مِنَ الْقُرُونِ} الفاء: تدل على التعقيب؛ أي: ما قبل الآية يتصل بما بعدها، وأما الواو: تدل على الاستئناف.
{كَمْ}: الخبرية، وتفيد التّكثير؛ أي: الكثير.
{أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم}: ولم يقل من قبلهم، قبلهم تعني: منذ زمن بعيد، أو قريب.
{مِنَ الْقُرُونِ}: من: ابتدائية، القرون: الجماعات الّتي كانت تعيش معاً لقرنٍ من الزّمن، والقرن يقدر (١٠٠) سنة، أو عام، أمثال ثمود، وعاد، ولوط، وأصحاب الأيكة، وقوم تبّع… وغيرهم من القرون.
{يَمْشُونَ فِى مَسَاكِنِهِمْ}: يمشون بصيغة المضارع الّتي تدل على التّكرار، والتّجدد؛ أي: ما زالوا يسيرون أو يمرون في ديارهم ويرون آثارهم ويزورونها.
{إِنَّ فِى ذَلِكَ}: إنّ: للتوكيد، في: ظرفية، ذلك: اسم إشارة للبعد.
{لَآيَاتٍ}: اللام: للتوكيد، علامات ودلالات وبينات، وعبر، ومواعظ كافية.
{لِّأُولِى النُّهَى}: اللام: لام الاختصاص، أولي النّهى: لأصحاب العقول النّيرة. ارجع إلى الآية (٥٤) من السّورة نفسها؛ للبيان. ولنعلم أن أولي النّهى ذكرت مرتين في القرآن وكلاهما في سورة طه.
لنقارن هذه الآية (١٢٨) من سورة طه: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِى مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِى النُّهَى}.
مع الآية (٢٦) من سورة السّجدة: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِم مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِى مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ}.
الاختلافات:
في آية طه: أفلم، في آية السّجدة: أولم، وكلمة "أفلم" أشد وآكد من كلمة "أولم".
في آية طه: قبلهم، في السّجدة: من قبلهم.
قبلهم: تعني: الزّمن القريب، أو البعيد بدون تحديد؛ أي: أهلكنا قبلهم الأمم القريبة، أو البعيدة، بينما: من قبلهم. تعني: فقط الأمم القريبة الّتي جاءت قبلهم.
والخطاب في آية طه: لأولي النّهى؛ أي: الّذين يملكون العقل والبصيرة والسّمع، أمّا في آية السّجدة للذين يملكون ميزة السّمع فقط، ولذلك التّحذير والتّهديد في آية طه أشدّ وأقوى من آية السّجدة.
ولأنّ العقوبات في سورة طه تشمل الدّنيا والآخرة، بينما في سورة السّجدة العقوبات مقصورة على الآخرة، أو جاءت في سياق الآخرة.