سورة البقرة ٢: ٢٥٤
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِىَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}: نداء جديد للذين آمنوا بأمر تكليفي جديد: هو الإنفاق.
{أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم}: الإنفاق: هو إخراج المال من الملك، فلا يعد يتملكه، بينما الإعطاء: يمكن أن تعطي زيداً ثوباً ليخيطه لك ويعيده إليك، فلا يخرج من ملكك.
والنفقة الواجبة: هي الزكاة.
والنفقة المستحبة: هي نفقة التطوع، فالآية لم تحدد نوع الإنفاق فهي تحث على الإنفاق بكل أنواعه.
وغاية الإنفاق هو التقرب إلى الله تعالى، وطاعة أوامره.
{مِمَّا رَزَقْنَاكُم}: مما؛ أي: من ابتدائية بعض ما رزقناكم (من البعضية)، وليس كل ما رزقناكم؛ أي: أنفقوا من رزقي عليكم.
وفي آيات أخرى قال:
١ - {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} البقرة: ٢٦٧.
٢ - {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} الحديد: ٧.
٣ - {وَأَنْفِقُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ} البقرة: ١٩٥.
٤ - {وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ} التغابن: ١٦.
{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِىَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}:
{مِنْ}: للابتداء، {قَبْلِ}: ظرف زمان، {أَنْ}: للتوكيد.
{يَأْتِىَ}: ولم يقل: يجيء، المجيء: فيه معنى الصعوبة، والمشقة، ويأتي: فيه معنى السهولة؛ لأنه لم يأت بعد.
{يَوْمٌ}: نكرة، ويعني: يوم القيامة، وجاء نكرة لما فيه من الأحداث، والأهوال العظام.
{لَا}: النّافية، وهي أقوى في النفي من ليس.
{بَيْعٌ}: البيع: أصله الكسب، والناتج عن تبادل أثمان السلع، لا بيع فيه؛ أي: لا فداء فيه؛ لأنّ البيع يوم القيامة يعني الفداء، أو لا إنفاق فيه؛ لتدارك ما فاتكم من الإنفاق، فكل مصارف البيع، والإنفاق معطلة في ذلك اليوم.
{فِيهِ}: ظرف زماني ومكاني؛ يعني: للظرف والمظروف اليوم.
{وَلَا خُلَّةٌ}: تكرار لا النّافية؛ ليزيد التّوكيد ولفصل كل منهما على حدة، لا بيع لوحده، ولا خلة لوحدها، ولا كلاهما معاً، وجاءت نكرة: لتشكل كل خلة.
والخلة: تعني المودَّة، والصداقة، والتكريم، وسمِّيت المودَّة خلة؛ لتخللها في النفس، وجمعها خِلال. ارجع إلى سورة النّساء، آية (١٢٥).
{وَلَا شَفَاعَةٌ}: لا وساطة، وجاءت نكرة؛ لتشمل كل شفاعة غير مقبولة مهما كان نوعها، مثل: شفاعة إبراهيم -عليه السلام- في آزر، أو شفاعة الّذين آمنوا في المشركين.
وهناك استثناء في باب الشفاعة؛ لقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِىَ لَهُ قَوْلًا} طه: ١٠٩، فهناك الشفاعة المقبولة، مثل شفاعة الرّسول -صلى الله عليه وسلم-، وشفاعة أهل التّقوى والإحسان.
هذا من باب الإطلاق المقيد.
{وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}: الكافرون: جمع كافر ويعني الكفر بالدين وتدل على أن صفة الكفر عندهم ثابت وتدل على العمل وهو الكفر.
{هُمُ}: ضمير فصل يفيد القصر المبالغ فيه؛ أي: هم المختصون بصفتي الكفر، والظلم دون غيرهم، ولو قال: والظالمون هم الكافرون؛ لشملت هذه كثيراً من النّاس، والله سبحانه لا يظلم مثقال ذرة. ارجع إلى الآية (٦) من نفس السورة لبيان معنى الكفر.