سورة الحج ٢٢: ٦٥
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِى الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}:
{أَلَمْ تَرَ}: الهمزة للاستفهام والتّقرير، ترَ: الرّؤية هنا رؤية قلبية وعلمية وبصرية؛ أي: ألم ينتهِ علمك أو تفكر.
{أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِى الْأَرْضِ}: أنّ: للتوكيد، (سخر لكم) أيها النّاس سخر؛ أي: ذلَّل لكم، وهيَّأ لكم الأرض للعيش عليها، وذلك بخلق الجبال وعوامل التّعرية وشقّ الفِجاج والسُّبل. ما: تشمل كلّ شيء ما في الأرض في ظاهرها وفي باطنها، من ثمار وزروع وطاقة ومعادن وبترول وكنوز؛ للانتفاع بها وللدلالة على رحمته بكم وقدرته وعظمته.
{وَالْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ}: السّفن والفلك (جمع أو مفرد)؛ أي: هو سبحانه الّذي جعل لماء البحر صفات كيميائية وطبيعية تشكّل ما يسمى: ظاهرة التوتر السطحي، الّتي تمثل شدة تماسك جزيئات الماء مع بعضها البعض؛ لتساعد على حمل هذه الفلك العملاقة القادرة على حمل ملايين الأطنان، تجري في البحر لنقل الرّكاب والبضائع، تجري بتسخيره وتسييره من بلد إلى آخر، فتتم التّجارات، وتبادل الحوائج والمنافع ويحصل التّعاون كما قال تعالى: {رَبُّكُمُ الَّذِى يُزْجِى لَكُمُ الْفُلْكَ فِى الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} الإسراء: ٦٦.
{وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ}: يُبقي السّماء بما فيها من كواكب ونجوم وشموس وأقمار مترابطة بنظام الجاذبية والقوى النووية بنظام دقيق كلٌّ يجري في مداره الخاص الثّابت، ولو شاء الله لأذن للسماء أن تسقط على الأرض فيهلك كلّ من في الأرض، ولكن من رحمته ورأفته بالنّاس يبقي قوانين الجاذبية قائمة بدون أي تغيير. فلا تصطدم الكواكب ببعضها وتسقط على الأرض فتدمرها.
{إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ}: إنّ للتوكيد، بالنّاس: الباء للإلصاق، ولولا رحمته لما شعرتم بالأمن والاستقرار.
{لَرَءُوفٌ}: اللام للتأكيد، رؤوف: الرّأفة من الرّحمة، ورؤوف بالنّاس: لا يحمّلهم ما لا يطيقون. ارجع إلى سورة النّحل آية (٤٧) لمزيد من البيان.
{رَحِيمٌ}: لأنّه يمسك السّموات أن تقع على الأرض، ولأنّه يُزجي الفلك في البحر، ولأنه سخّر لكم ما في السّموات والأرض جميعاً منه. بالمؤمنين رؤوف رحيم.