سورة البقرة ٢: ٢٦٨
{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}:
{الشَّيْطَانُ}: ارجع إلى الآية (٣٦)؛ لمعرفة اشتقاق كلمة الشيطان.
{يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ}: ولم يقل: يعدكم الشيطان فقراً، وإنما قدَّم الفاعل على الفعل؛ للتحذير، والانتباه من الشيطان.
{يَعِدُكُمُ}: يوسوس لكم: أنّ الإنفاق سيجركم، أو يسبب لكم الفقر، أو يخوِّفكم من الفقر، أو أن تصدقوا بالخبيث، أو الرديء.
يعدكم: من الوعد، والوعد يكون في الخير، أو الشر، إذا قيَّد، وإذا أطلق: اختصَّ بالخير، وأما الوعيد: لا يكون إلَّا في سياق الشر.
{الْفَقْرَ}: هو سوء الحال، وقلة اليد، وأصله مشتق من كسر فقار الظهر، يقال: رجل فقر وفقير إذا كان مكسور الفقار.
{وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ}: أي: يُغريكم من إغراء الأمر للمأمور؛ أي: التزيين.
الفحشاء: ما عظُم قبحه، أو خبثه من الأفعال، والأقوال؛ أي: شديد القبح، أو الخبث، فهو فاحش، والفاحشة قد تعني عبادة الأصنام، والزنى، واللواطة، والقذف، والإفك، ومعصية الرسول، والافتراء على الله، وشرب الخمر، ومنهم من قال: الفحشاء الذنوب الّتي فيها حد، أو المعاصي (القبيح من القول والفعل)، وفي هذه الآية تعني: يعدكم الفقر، ويأمركم بالإنفاق من الخبيث الرديء السيِّئ.
{وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ}: الوعد هنا مقيَّد ومختصٌّ بالخير.
{يَعِدُكُمْ}: وفيها تقديم الفاعل على الفعل؛ للتأكيد، والتنبيه، وأصلها يعدكم اللهُ مغفرة منه على إنفاقكم في سبيله.
والمغفرة: تعني: ستر الذّنب؛ أي: يغطي الذّنب، يستر عليه ذنبه، أو جرمه، ولا يفضحه، وإذا ستر عليه يعني لا يعاقبه عليه؛ أي: يغفره؛ أي: يمحوه (يمحو سيئاته)، ويعطيه ثواب أعماله الصالحة.
فالمغفرة = العفو + الثواب؛ أي: ستر الذّنب، ومحوه، والثواب على الأعمال الصالحة، فلا يطرح سيئة من حسنة، والعفو: إسقاط الذّنب، وترك العقوبة، ولا يقتضي الثواب.
ومغفرة جاءت بصيغة النكرة؛ للتعظيم والتهويل؛ أي: تشمل كل مغفرة على كل ذنب؛ إلَّا الشّرك الّذي لا يعقبه توبة.
{وَفَضْلًا}: الفضل: هو الزّيادة على ما يستحق العبد؛ أي: الزّيادة على الأجر.
{وَفَضْلًا}: نكرة، فهناك أنواع كثرة متنوعة من الفضل، وعدها الله سبحانه عباده الصالحين، ارجع إلى سورة الجمعة، آية (٤) لمزيد من البيان.
{وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}: واسع المغفرة، والرحمة، والعفو، واسع الفضل، والعطاء، والإحسان، والرزق، يرزق من يشاء بغير حساب، واسع الملك، والعلم والمقدرة.
{عَلِيمٌ}: بأعمال عباده، والأعمال تضم الأقوال، والأفعال، لا تخفى عليه خافية، ويعلم ما يسرون، وما يعلنون، وما تخفي الصدور، وهنا تعني: عليم بما تنفقون.