سورة النور ٢٤: ١١
{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}:
{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ}: إنّ: للتوكيد، الّذين جاؤوا بالإفك حديث الإفك، والإفك: هو الكذب المتعمد. ارجع إلى حديث الإفك في صحيحي البخاري ومسلم، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ للبيان المفصل.
{عُصْبَةٌ مِّنكُمْ}: العصبة: جماعة يتعصب بعضهم لبعض، وعددها بين (١٠-٤٠) وكان على رأسهم عبد الله بن أُبيّ رأس المنافقين، وزيد بن رفاعة، ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وغيرهم، {عُصْبَةٌ مِّنكُمْ}: من المؤمنين ظاهراً. وكلمة عصبة نكرة مع العلم أن الذين أشاعوا حادثة الإفك أناس معروفون، ومع ذلك أطلق عليهم عصبة (فئة نكرة) كي لا يُعبأ بهم وتحقيرهم، وقوله: منكم؛ أي: من المسلمين، وهذا يدل على بشاعة هذا الحديث الذي جاءوا به ولو جاء به الذين كفروا لكان أقل صدى أو شدة.
{لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ}: لا: النّاهية، {تَحْسَبُوهُ}: أي تعتقدوا أنّ إفكهم.
هو {شَرًّا لَكُمْ} الشر: هو ما غلب ضرره على نفعه؛ إساءة إليكم كما تعتقدوا، وقيل: الخطاب خاص إلى عائشة وصفوان بن المُعَطّل والمؤمنين.
{بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}: بل للإضراب الانتقالي، هو خير لكم، والخير: هو ما غلب نفعه على ضرره؛ تنالون بسببه الثّواب، وتأخذون منه العبرة والحذر.
{لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم}: أي: لكل ممن شارك في حديث الإفك. لكل: اللام لام الاستحقاق.
{امْرِئٍ}: تأتي في سياق المروءة وأدب النفس.
{مِّنْهُم}: من العُصبة الكاذبة.
{مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ}: أي بقدر ما خاض وشارك في حديث الإفك له من الإثم والذّنب.
{وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}: كِبْرَهُ: بكسر الكاف، وهناك: كُبْرَهُ بضم الكاف، وتعني: معظمه.
أي: تولى الخوض وتزعّم العصبة وقادها عبد الله بن أُبيّ: له عذاب عظيم في الدّنيا والآخرة، وصار يطلق عليه: المنافق، ومسطح أصبح مكفوف البصر، وحسان بن ثابت أصبح أعمى وشلّت يداه، مختصر القصة في غزوة بني المصطلق بعد أن تمّت الغزوة، وأثناء الاستعداد للعودة قالت السّيدة عائشة: ذهبت لأقضي حاجتي في الخلاء ثمّ رجعت إلى هودجي، فلمست صدري فلم أجد عقداً لي من الخرز اليماني فرجعت ألتمس عقدي، فلمّا عدت وجدت القوم قد ذهبوا، وكانت عائشة نحيفة (خفيفة الوزن) وحملوا هودجها دون أن يشعروا أنّها ليست بداخله، ثم بقيت عائشة في مكانها تنتظر من يأتيها، وكان من عادة القوم أن يتأخّر أحدهم بعد الرَّحيل ليتفقد المكان، وكان المعقب هو صفوان بن المعطّل، فلما رأى صفوان عائشة أناخ ناقته بجوارها ودار وجهه حتّى ركبت، وسار بها ولحق بالرّكب أخيراً، فلما رأى بعض المنافقين صفوان وعائشة معاً اتهموهما بالفاحشة.