سورة النور ٢٤: ٣٠
{قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}:
{قُلْ}: يا محمّد -صلى الله عليه وسلم-.
{لِّلْمُؤْمِنِينَ}: اللام لام الاختصاص؛ أي: للمؤمنين خاصة، والمؤمنين: جملة اسمية تعني: الّذين أصبح الإيمان صفة ثابتة ملازمة لهم.
{يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}: الغضُّ يعني: كفَّ البصر، والغض: إطباق الجفن على الجفن بحيث تمتنع الرّؤيا والنّظر إلى الأرض وعدم الاستمرار في النّظر، من: تعني التّبعيض أو التّوكيد أو الجنس، أبصارهم: جمع بصر؛ أي: نظراتهم، يغضّوا من أبصارهم، ولم يذكر من ماذا؟ لأنّه واضح المعنى؛ أي: عمّا حرم الله أو ما لا يحل. يغضوا: جاءت بصيغة المضارع؛ لتدل على التجدد، والتكرار؛ يعني: لا تغضوا، أو تحفظوا فروجكم مرة واحدة، وإنما كلما احتاج الأمر.
{وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}: أي يصونوا فروجهم (الفرج: القُبل والدُّبر) بالسّتر؛ أي: يستروا عوراتهم ويصونوها من فاحشة الزّنى واللواطة وما شابه ذلك مما حرم الله ومن اللمس. والعورة في الرّجل من السّرة إلى الرّكبة، وأمّا عورة المرأة فاختلف في تحديدها الفقهاء، ارجع إلى آراء الفقهاء.
وقدم غضَّ البصر على حفظ الفرج؛ لأنّ النّظر يسبق أو من الأمور الّتي تتقدم الوقوع في الفاحشة، وأبيح كشف العورة للضرورة العلاجية.
{ذَلِكَ} اسم إشارة، يشير إلى الغضّ والحفظ، واللام: للبعد؛ لعلو شأن هذه الأحكام.
{أَزْكَى لَهُمْ}: أطهر وأسلم لقلوبهم من السوء والرّيبة.
أزكى: مأخوذة من: الزّكاة بمعنى الطّهارة أو الطهر، والنّمو والبركة وزكاة النفس كقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} الشمس: ٩-١٠. لهم: اللام لام الاختصاص، للمؤمنين خاصة.
{إِنَّ اللَّهَ}: إنّ: للتوكيد.
{خَبِيرٌ}: عليم ببواطن الأمور بأحوالهم وأفعالهم، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور. يعلم ما غضى وما لطف وما تجلى أو ظهر.
{بِمَا يَصْنَعُونَ}: الباء للإلصاق والمصاحبة، ما: اسم موصول بمعنى الّذي أو مصدرية، ولم يقل بما يعملون أو يفعلون، اختار كلمة (يصنعون) لأنّ هذه الأفعال المحرمة إذا تكررت ترسخ وتصبح تشبه الصناعة. الصناعة التي تحتاج إلى مهارة وتدريب وجرأة وخبرة حتّى تتم، أو كأنها تشبه الصّناعة. والصناعة: أبلغ وأحسن من العمل، وفي الآية وعيد لمن يطلق بصره ولا يحفظ فرجه.