سورة النور ٢٤: ٥٨
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَـئْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}:
أسباب النّزول: نزلت هذه الآية كما قاله ابن عبّاس، وذكر الواحدي في (أسباب النّزول): أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرسل إلى عمر رضي الله عنه غلاماً له اسمه مدلج الأنصاري وقت الظهيرة؛ ليدعوه، فدخل على عمر رضي الله عنه وكان عمر نائماً على حال كره عمر رؤيته عليها، فلما أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال عمر: يا رسول الله، وددت لو أنّ الله أمرنا ونهانا في حالة الاستئذان، فنزلت هذه الآية.
وقال مقاتل نزلت في أسماء بنت مرثد. والمهم هو بعموم اللفظ وليس خصوص السّبب.
{لِيَسْتَـئْذِنكُمُ}: اللام: لام الأمر، أو لام التعليل، والسين والتاء: تدل على الطلب؛ أي ليطلب الإذن منكم في الدّخول عليكم أو علّموا هؤلاء المذكورين أن يستأذنوا عليكم.
{الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}: العبيد والإماء أو الخدم، الذكور والإناث، وتشمل كل إنسان.
{وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ}: الصّبيان، والحلم؛ أي: لم يبلغوا سن البلوغ ويقدر بـ (١٤-١٥) سنة: سن التّكليف، حيث يدخلون ويخرجون دون ضابط.
{ثَلَاثَ مَرَّاتٍ}: أي في ثلاثة أوقات.
{مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ}: وقت مخصص للنوم.
{وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ}: وقت القيلولة، وقت راحة قد يخلع الإنسان بعض ملابسه.
{وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ}: وقت النّوم.
{ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ}: هذه أوقات ثلاثة لا ينبغي لأحد أن يدخل عليكم إلا بعد الاستئذان منكم، يقرعوا الباب أو يُمنعوا من الدّخول عليكم إلا بالسّاعات المحددة لهم، ويسمي الله تعالى هذه الأوقات بأوقات العورة.
العورة في الأصل: الخلل والنّقص، ثمّ أطلقت على ما يُكره انكشافه والنّظر إليه، هي ما بين السّرة والرّكبتين في الرّجل، وفي المرأة ما يستحي من كشفه. ارجع إلى كتب الفقه لمزيد من البيان.
{لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ}: يعني بعد هذه الأوقات الثّلاثة لا إثم عليكم ولا عليهم أن يدخلوا عليكم أو تدخلوا عليهم.
{طَوَّافُونَ عَلَيْكُم}: للخدمة أو للحاجة.
طوّافون: جمع طوّاف: اسم فاعل من: طاف يطوف؛ أي: يدخلون ويخرجون عليكم للحاجة.
{بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ}: يطوف بعضكم على بعض، توكيد لما قبلها دخولاً وخروجاً.
{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ}: أي كهذا التّبيين الّذي بيّن لكم حكم الاستئذان، يُبين الله لكم الآيات المشتملة للشرائع والأحكام الأخرى الّتي تحتاج إلى تبيان.
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ}: بأعمالكم؛ أي: أقوالكم وأفعالكم وما تحفون وما تبدون، وما تسرّون وما تعلنون، وبنواياكم وما تخفي.
{حَكِيمٌ}: فيما شرع لكم وفرض عليكم، فهو أحكم الحاكمين وأحكم الحكماء. ارجع إلى سورة البقرة آية (١٢٩) لمزيد من البيان.
ما الفرق بين الآية (٥٨) {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} والآية (٥٩) {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}؟
١ - الآيات: أعمّ من آياته.
٢ - إضافة الضّمير إلى ذاته (آياته) سبحانه معناها: هي آيات أهم وآكد مقارنة بقوله: الآيات بشكل عام.
٣ - الآيات: تأتي في سياق المندوبات، أمّا (آياته) تأتي في سياق الحلال والحرام والأحكام الخاصة. ويمكن القول: حين يقول: (آياتي) هي أقرب إليه من القول (آياته)، والقول (آياته) أقرب إليه من القول (الآيات) فالتدرج من الأقرب إلى الأبعد يكون كما يلي: آياتي، آياته، آيات.
سورة النّور الآيات ٥٩ - ٦١