سورة الفرقان ٢٥: ٤٩
{لِّنُحِْىَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِىَّ كَثِيرًا}:
{لِّنُحِْىَ}: اللام للتوكيد.
{بِهِ}: بالماء (أو المطر).
{بَلْدَةً مَّيْتًا}: انتبه إلى سكون الياء في (ميْتاً) والتي تشير إلى أن الأرض قد ماتت فعلاً، بينما عدم تشديدها يعني: ما زالت على قيد الحياة، وستموت إذا لم يصلها الماء كما في قوله تعالى: {وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَىِّ} آل عمران: ٢٧، وقوله تعالى: {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ} الأعراف: ٥٧.
فهناك فرق بين الميْت بالسكون والميِّت بالتشديد، فالميْت: هو الّذي مات بالفعل، والميِّت: هو الّذي ما زال على قيد الحياة.
{بَلْدَةً مَّيْتًا}: لا نبات فيها أبداً.
{وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا}: نسقيه، أيْ: ذلك الماء. مما: مركبة (من وما). من: ابتدائية، ما: لغير العاقل والعاقل وغلب غير العاقل على العاقل لكثرته.
{أَنْعَامًا}: الأنعام ثمانية أزواج الإبل والبقر والغنم والماعز. وأما بهيمة الأنعام فتشمل الأنعام الثمانية وغيرها مما يشبه الأنعام.
{وَأَنَاسِىَّ كَثِيرًا}: جمع إنس أو إنسي وأصلها أناسين، أو أناسيني على وزن أفاعيل، وخففت إلى أناسي، وكلمة إنسان اشتقت من الأنس فهو يأنس بغيره، وكونه يُرى وغير مخفيٍّ كالجن؛ أي: مجموعات من البشر تعيش في تلك البلدة الميتة التي أحياها الله تعالى، ولم يقل ناس؛ لأن كلمة الناس عامة تشمل كثير من البلدان وهو يتكلم عن أهل بلدة أناس تكاثروا فأصبحوا أناس كثيراً، فالله سبحانه أحيا بهذا الماء الطيور والنبات، وأحيا الأنعام، وأحيا الأناسي.
وقدَّم أحياء الأرض الميتة والأنعام على الأناسي؛ لأن حياة الأناسي تعتمد على الغذاء، والغذاء يستمد من الأرض ومن الأنعام، وحياة الأرض والأنعام تعتمد على الماء أو السُّقيا، والسُّقيا تعتمد على ماء المطر، وما يقوم به الإنسان في توفير الماء لها، ولم خصَّ الأنعام عن غيرها؟ لأن غيرها من الحيوانات يمكن أن تحصل على الماء بنفسها من دون الاعتماد على البشر.
وهناك فرق بين سقاه وأسقاه.
سقاه: تعني ناوله ما يشربه الآن.
أسقاه: أعدَّ له ما يستقي منه ولم يشرب بعد. فالآية لا تتحدث عن خزن الماء، وإنما عن استعماله الآن.