سورة آل عمران ٣: ٣
{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ}:
{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ}: نزل على وزن فعّل، وتدل على كثرة التنزيل، وإنه منزل منجماً (مفرقاً) في ثلاث وعشرين عاماً.
{عَلَيْكَ}: يا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
{الْكِتَابَ}: يقصد به القرآن في هذه الآية، يسمى الكتاب؛ لكونه مكتوباً في السطور، وفي اللوح المحفوظ، وجاء بـ (ال) التعريف؛ للدالة على الكمال؛ أي: الكتاب الكامل التام.
والكتاب (القرآن) له نزولان:
نزول أول: أنزل جملة واحدة (دفعة واحدة، أو مرة واحدة) من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، أنزل في ليلة القدر في شهر رمضان {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} الدخان: ٣، {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ} القدر: ١، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} البقرة: ١٨٥.
نزول ثان: منجماً؛ أي: مفرقاً؛ كقوله تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} الإسراء: ١٠٦.
نزل به جبريل -عليه السلام- في ثلاث وعشرين سنة حسب الأحداث والوقائع والحاجة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ بعثته إلى وفاته.
فعندما يقول: أنزل؛ أي: جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، وعندما يقول: نزل منجماً متفرقاً (أي: بالتدرج) نزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلال (٢٣) سنة.
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ}؛ أي: أنزله الله سبحانه، وأنزل مقصورة على الله سبحانه، وتعني: مصدر الإنزال من الله سبحانه؛ أي: هو المنزل.
{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ}؛ أي: جبريل -عليه السلام- .
{نَزَلَ بِهِ}: به: تعود على الكتاب؛ يقصد به القرآن في هذه الآية، فكلمة نزل: قد تنسب إلى جبريل -عليه السلام- ، وتعني: آلية النزول، وطريقته. ارجع إلى الآية (٤) من سورة البقرة؛ لمزيد من البيان.
{نَزَّلَ عَلَيْكَ}: كلمة عليك يستعملها بمعنى التشريف، وفي سياق الأمور الخاصة، والعبادة، وعلى: تعني: العلو، والمشقة، فالقرآن نزل على الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أعلى؛ أي: من جهة واحدة، هي السماء العليا.
وأما كلمة نزل إليك: إليك: يستعملها في سياق الدعوة، والتبليغ، والتعميم، وإلى تقيد الانتهاء؛ أي: انتهاؤه إلى عامة الناس، والغاية من الإنزال: هو أن ينتهي إلى أيدي الناس ليقرؤوه.
وإلى: لا تعني جهة معينة، فالكتب تنزل على الرسل أولاً، وتنتهي إلى أممهم، عليك: تشير إلى البداية، وإليك: تشير إلى النهاية.
والخلاصة: إذا كان القصد، أو السياق، والنهاية إلى الناس يستعمل إليك.
{بِالْحَقِّ}: الباء: للإلصاق، والملازمة؛ أي: ملازمة للحق، فالكتاب: هو الحق، والحق هو الكتاب.
والحق: هو الأمر الإلهي الثابت الذي لا يتغير.
{مُصَدِّقًا}: موافقاً. اسم فاعل من صدق؛ أي: موافقاً لما سبقه من الكتب السماوية، لا يخالفها في القضايا العقدية، والإيمانية، والنبوَّة.
{لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}: من الكتب السماوية؛ كالتوراة، والإنجيل.
{لِمَا}: (اللام - ما) اللام: للتوكيد، ما: اسم موصول يستعمل في المفرد، والمثنى، والجمع، والمذكر، والمؤنث.
{وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ}: أنزل التوراة جملة واحدة على موسى -عليه السلام- ، وأنزل الإنجيل جملة واحدة على عيسى -عليه السلام- .
{التَّوْرَاةَ}: الكتاب الذي أنزل على موسى، والتوراة كلمة عبرية؛ تعني: الشريعة، والتوراة: تشتمل على خمسة أسفار: هي سفر التكوين، وسفر الخروج، وسفر اللاويين، وسفر العدد، وسفر تثنية الاشتراع، ويظن اليهود أن موسى هو الذي كتبها، ويسميها النصارى العهد القديم.
{وَالْإِنجِيلَ}: الكتاب الذي أنزل على عيسى، والإنجيل كلمة يونانية، معناها: البشارة، وهو ما أوحاه الله تعالى إلى عيسى عليه السلام، ويسمى العهد الجديد.
ويشمل أربعة أناجيل: هي إنجيل متى، ويوحنا، ومرقس، ولوقا.
ويشمل على تعاليم المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام- ، وأعمال الحواريين.
وهي أناجيل كتبت بعد زمن طويل من وفاة المسيح -عليه السلام- .