سورة آل عمران ٣: ٢٠
{فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّنَ ءَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}:
{فَإِنْ}: الفاء: عاطفة، إن: شرطية.
{حَاجُّوكَ}: من المحاجة: وهو أن يدلي كل خصم من الخصمين بحجته، وعادة يكون لإظهار الحق، ودحر الباطل، أو لمعرفة الصدق من الكذب. ارجع إلى الآية (٢٥٨) من سورة البقرة؛ للبيان.
فإن حاجوك: أي: وفد نجران النصراني حاجوك في شأن وأمر عيسى -عليه السلام- .
{فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ لِلَّهِ}: أي: داعياً إياهم إلى الإسلام، وإلى التوحيد، وإسلام الوجه لله، والإخلاص له.
أو حاجوك الكفار في الدِّين ولم يؤمنوا، فقل: الفاء: رابطة للجواب.
أسلمت وجهي لله: والوجه يراد به الذات (مجاز مرسل) إطلاق الجزء، وإرادة الكل؛ أي: أخلصت له وانقدت وخضعت لله. أسلمت ذاتي لله، وإسلام الوجه وهو أعلى درجات الإسلام، وإذا قارنا هذه الآية مع الآية (٢٢) في سورة لقان وهي قوله تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} يسلم إلى الله تعني: يتوكل على الله، أو يفوض أمره إلى الله، أما يسلم لله؛ أي: يخلص لله وينقاد له ويستسلم له.
{وَمَنِ اتَّبَعَنِ}: ومن: ابتدائية، اتبعن: من المسلمين، أو من البشر؛ أي: كذلك هؤلاء أسلموا وجوههم لله كما أسلمت أنا (أي: محمد -صلى الله عليه وسلم- لله سبحانه، وأسلموا وجوههم لله، تعني: أخلصوا عبادتهم لله، والإخلاص لله هو أعلى درجات العبودية.
وبما أن المخلصين لله، والذين لا يراؤون في عبادتهم والاتباع هم قلة جداً، ولذلك جاء بكلمة ومن اتبعن بدون ياء مقارنة بكلمة اتبعني، فالياء تدل على الكثرة (زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى)، ولذلك قال: ومن اتبعن، وإذا قارنا هذه الآية مع الآية (١٠٨) من سورة يوسف رأينا كلمة اتبعني جاءت في سياق الدعوة، فهناك الكثير من الدعاة، ولذلك قال: من اتبعني, ومنهم من هو مخلص، أو غير مخلص، أما المخلصون لله (إسلام الوجه) فهم القلة، ولذلك استعمل اتبعن.
{وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّنَ ءَأَسْلَمْتُمْ}: وقل يا محمد -صلى الله عليه وسلم-، للذين: اللام: لام الاختصاص. قل للذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى.
والأميين: جمع أُمي، وسموا أميين نسبة إلى الأم؛ لكونهم غير قادرين على الكتابة والقراءة، وقيل: الأمي من لا يكتب. ارجع إلى الآية (١٥٧) من سورة الأعرف؛ للبيان، أو نسبة لقلة من يقرأ، أو يكتب منهم.
أأسلمتم: الهمزة للاستفهام، وتحمل معنى الأمر؛ أي: أسلموا خيرٌ لكم.
{فَإِنْ أَسْلَمُوا}: الفاء: استئنافية، إن أسلموا: إن: شرطية تفيد الشك؛ أي: استجابوا لك، ودخلوا في الإسلام.
{فَقَدِ اهْتَدَوا}: ظفروا بالهداية، فقد: الفاء: رابطة لجواب الشرط، قد: حرف تحقيق وتوكيد.
{وَإِنْ تَوَلَّوْا}: وإن: شرطية، تولوا: أعرضوا رفضوا الإيمان أو الدخول في الإسلام، أو رفضوا التوحيد، وعدم الشرك بالله، فلا يضرك أمرهم المهم تبليغهم كلام الله تعالى.
{فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ}: فإنما: الفاء: رابطة لجواب الشرط، إنما: كافة مكفوفة تفيد التوكيد، البلاغ: تبليغ الرسالة؛ أي: الإعلام؛ أي: الإيصال والإفهام.
{وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}: ارجع إلى الآية (١٥) من سورة آل عمران.