سورة آل عمران ٣: ٣٠
{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}:
المناسبة: ذكر في الآيات السابقة، ويحذركم الله نفسه، وإلى الله المصير، يقول سبحانه يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً.
{يَوْمَ}: القيامة: نكرة للتهويل والتعظيم.
{تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ}: ما: اسم موصول، أو مصدرية ما لغير العاقل، والعاقل.
{مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا}: عملت في الدنيا، من: استغراقية، خير: نكرة تشمل كل خير مهما كان نوعه، ومهما صغر، أو كبر. محضراً: أي: تجد عملها ينتظرها مكتوباً في الصحف، محضراً مهيَّأً؛ ليقرأها بنفسه.
{وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ}: تكرار ما عملت؛ للتوكيد، ولفصل الخير عن السوء؛ أي: ما عملت من خير على حدَة، وما عملت من سوء على حدَة، أو كلاهما معاً.
من سوء: من شر، أو سيئات (صغائر أو كبائر).
{تَوَدُّ لَوْ أَنَّ}: تود آنذاك: تتمنى، لو أن: حرف شرط (امتناع لامتناع). أن: للتوكيد.
{بَيْنَهَا}: تعود على النفس، {وَبَيْنَهُ}: وبيَّن السوء.
{أَمَدًا بَعِيدًا}: الأمد: إما أن يكون ظرفاً للزمان أو ظرفاً للمكان, وهنا بمعنى: ظرف مكان؛ أي: تود أن يكون بينها وبين عملها بعدٌ طويلٌ، مسافة طويلة كبعد المشرقين.
{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}: ويحذركم الله عقابه، وسخطه من ارتكاب المعاصي، والمخالفات، أو ما نهاكم عنه، وفي هذا تهديد عظيم، وتحذير صادر من ذات الله تعالى. ارجع إلى الآية السابقة (٢٩)؛ لمعرفة معنى الحذر.
{وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}: جاء بأل التعريف بالعباد التي تدل على الاستغراق؛ أي: رؤوف بكل الناس مسلمهم وكافرهم ولو قال رؤوف بعباده كما في قوله تعالى {يَهْدِى بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} الأنعام: ٨٨؛ فالهداية تكون خاصة بهؤلاء فقط من العباد. رؤوف من الرأفة، والرأفة أبلغ وأشد من الرحمة، والرحمة أعم من الرأفة. ارجع إلى الآية (٢٠٧) من سورة البقرة؛ لمزيد من البيان.
وإذا نظرنا إلى الآية (٢٨)، والآية (٣٠) ليس هناك تكرار؛ لأن:
الآية (٢٨): {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}: جاءت في سياق التحذير من اتخاذ الكفار أولياء من دون الله.
والآية (٣٠): {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}: جاءت في سياق الحث على الأعمال الصالحة، والحذر من الأعمال السيئة.
وقد يسأل سائل، لماذا لم يقل سبحانه: والله رؤوف رحيم، بدلاً من: والله رؤوف بالعباد.
الجواب: لم يذكر الرحمة؛ لأن المقام مقام تحذير، ومع التحذير لا يناسب ذكر الرحمة؛ خشية التواكل.