سورة القصص ٢٨: ١٥
{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِى مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِى مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُبِينٌ}:
{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ}: الواو هنا لا تدل على التّرتيب إنما هي لمطلق الجمع، فليس تعني أتيناه الحكم والعلم، ثم دخل المدينة، وإنما تعني دخل المدينة قبل إيتائه النّبوة.
أي: دخل موسى المدينة: قيل: هي مدينة منف تقع على مسافة (٢٨) كم جنوب القاهرة قرب ميت رهينة بالبدرشين بالجيزة، وبها أهرامات سعارة وكانت المدينة الأولى آنذاك.
{عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ}: حيث كان القبط في بعض المدن المزدحمة بالسّكان يمنعون بني إسرائيل دخول مدنهم، لذلك اختار موسى وقت غفلة النّاس، أيْ: زمن القيلولة حوالي منتصف النهار والنّاس في بيوتهم، وقيل: لكون موسى كان يعيب على قوم فرعون دينهم فكانوا يخافونه وهو يخافهم، فكان لا يدخل إلا مستخفياً، وفي يومٍ دخل موسى المدينة، دخلها وقت القيلولة وهو الأرجح وقت الظّهيرة وقد أغلقت أسواقها وليس في طرقها إلا قلة من المارة، أو وقت بين المغرب والعشاء دخل المدينة بعد مدة طويلة من عدم دخولها ونسوا ذكره.
{فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ}: هذا من شيعته: أيْ: من بني إسرائيل، وهذا من عدوه: يعني: من الأقباط، والعدو: يمكن تذكيره للواحد أو الجمع.
{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِى مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِى مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}: الفاء للتعقيب والمباشرة بعد الدّخول، استغاثه: طلب منه الغوث: أي: العون والمساعدة أو النجدة السّريعة. وكان موسى يتمتع بقوة في البدن، وتبين لموسى أن القبطي هو الذي بدأ بقتال الإسرائيلي فحاول موسى الدفاع عن المظلوم ودرء خطر الظالم عن المظلوم، ولم يتعمد قتل القبطي، والأقباط يومها كانوا يعبدون الأصنام، ولم يكن موسى آنذاك نبياً ولا رسولاً؛ فوكزه موسى: الفاء للمباشرة، الوكز في اللغة: نوع من الضرب بمجمع اليد على الذقن؛ أي: الرأس، وقيل: على الصدر في مكان القلب، فقضى عليه: فمات القبطي مباشرة من أثر الوكز، وندم موسى؛ أي: وكزه ولم ينوي قتله.
{قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُبِينٌ}: هذا الوكز الّذي أمات هذا الإنسان لم يكن في نيته أو يقصده، ولذلك قال: هذا من عمل الشّيطان: قال موسى عليه السلام معترفاً بأنّ ضربة القبطي كانت من نزع الشّيطان، أيْ: من تهيج وإثارة الشّيطان له.
إنّه عدو مضل مبين: إنّه تعود على الشّيطان للتوكيد عدو لبني آدم، مضل له عن الهدى والصّواب بالخطأ والإضلال بالوسوسة والتّزين والنزع، مبين: ظاهر العداوة كلّ بني آدم يعلمون أنّه عدو مبين وأنّ عداوته لا تخفى على أحد وهي ظاهرة للعيان، لا تحتاج إلى دليل ولا برهان.
عدو مضل مبين: ثلاث صفات وصف بها الشّيطان في آن واحد عدو، مضل، مبين: أسماء فاعل: صفات ثابتة في الشّيطان.