سورة القصص ٢٨: ٧١
{قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ}:
المناسبة: ذكر هذه الآية والّتي تليها دلائل أخرى على عظمته وقدرته الموجبة للعبادة والوحدانية.
{قُلْ}: لهم يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
{أَرَءَيْتُمْ}: أي: أخبروني بشيء من العلم والتّوكيد، الرّؤية هنا رؤية قلبية فكرية ورؤية حقيقية بصرية.
{إِنْ جَعَلَ}: إن شرطية تفيد الاحتمال أو الأمر المشكوك في حدوثه؛ أيْ: على سبيل الافتراض، جعل: صيَّر.
{اللَّهُ عَلَيْكُمُ الَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}: سرمداً دائماً لا ينقطع، والسّرمد دوام الزّمان من ليل ونهار أي: الدّائم المستمر الذي لا ينقطع، أي: جعل الليل دائماً بلا انقطاع أو من دون نهار على طوال حياتكم، واستمر ذلك إلى يوم القيامة.
وهذا يعني أنّه لا تستقيم أي حياة على الأرض ولن يستطيع أي مخلوق أن يقاوم ذلك.
{مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ}: من استفهامية تفيد التّوبيخ والتّقرير فلما لا تعبدونه وتقرون بعظمته ووحدانيته، غير الله: سوى الله يأتيكم بضياء (نور أبيض + حرارة) صادر عن الشّمس، أغلب أشعة الشّمس مثل الأشعة السينية وفوق البنفسجية وتحت الحمراء، وغيرها من أشعة الشّمس لا تصل إلينا بفضل نطق الحماية حول الأرض، وما يصل إلينا هو حزمة من الأشعة تسمَّى حزمة الضوء المرئي الّتي هي عبارة عن ألوان الطيف السبعة (الأحمر والبنفسجي والأزرق والأخضر والنيلي والبرتقالي والأصفر) هذه الحزمة متى وصلت إلى الغلاف الغازي للأرض تمتزج بها فيطلع لنا النور الأبيض المسمَّى ضياءً.
وما يصدر عن القمر والكواكب المشابهة هو نور فالضوء أو الضياء يختلف عن النّور، الضياء أو الضوء هو كلّ إضاءة صادرة عن مصدر مشتعل كالشّمس أو النجوم أو نار ملتهبة، وإذا سقط هذا الضوء على جسم معتم كالقمر انعكس وأصبح نوراً، ولذلك يقول سبحانه: {هُوَ الَّذِى جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} يونس: ٥، فالقمر لا يضيء، وإنما يعكس أشعة الشّمس.
جواب الاستفهام محذوف، أيْ: لا أحد.
{أَفَلَا تَسْمَعُونَ}: أفلا: الهمزة للاستفهام الإنكاري والتّوبيخ على عدم السّماع والتّعجب من ترك السّماع والفاء للتوكيد، ألا: أداة تنبيه وحضٍّ للاستماع والاستفادة بما نسمع من آيات ومواعظ ووعيد، سماع فهم وتدبُّر وقبول وعمل بما نسمع وقوله: أفلا تسمعون، تعني: اسمعوا، واختار السّمع لليل؛ لأن آلة السّمع وهي الأذن لا تغلق وتبقى تسمع في اللّيل، أمّا العين في اللّيل بسبب الظّلمة فتعطل ولا عمل لها، ولذلك لم يقل: أفلا تبصرون.