سورة القصص ٢٨: ٧٣
{وَمِنْ رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}:
{وَمِنْ رَّحْمَتِهِ}: ومن: الواو: استئنافية؛ من: ابتدائية بعضية؛ أي: ومن آثار رحمته تعالى، والرّحمة: هي جلب كلّ ما ينفع ودفع كلّ ما يضر.
{جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ}: خلفه، يخلف كلّ منهما الآخر أيْ: يتعاقبان، لا الليل سابق النّهار ولا النّهار سابق الليل. وفي هذا إشارة إلى كروية الأرض ودورتها حول محورها، فالجزء المقابل للشّمس والحاوي للغلاف الغازي حين تسقط عليه حزمة الضوء المرئي من أشعة الشّمس (ألون الطيف السبعة) تضيء، ويبدأ النّهار، وأما الجزء غير المقابل للشّمس فيكون ليلاً، فتعاقب الليل والنهار من أكبر الآيات الكونية الدّالة على عظمة الله تعالى ومقدرته الداعية للإيمان به وتوحيده.
{لَكُمُ}: اللام لام الاختصاص، خاص بكم وقدَّم الليل على النّهار؛ لأنّه هو الأصل (الظّلام هو السّائد والأصل في الكون) فالليل لتسكنوا فيه والنّهار لتبتغوا من فضله.
والليل {لِتَسْكُنُوا فِيهِ}: اللام لام التّوكيد، تسكنوا فيه: ارجع إلى الآية (٧٢) السّابقة.
{وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}: واللام للتوكيد، تبتغوا من فضله: أيْ: تطلبوا وتبحثوا عن رزقكم، الفضل هو الزّيادة على الاستحقاق، أيْ: لترتاحوا في الليل من التّعب، ثم تعودوا في النّهار لمزاولة أعمالكم بنشاط.
{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}: الواو: واو الجمع؛ أي: لعلكم تشكرون الله على هذه النعمة (نعمة الليل والنهار) وغيرها من النعم. لعلكم: للتعليل، تشكرون: المنعم على نعمه الّتي لا تعدُّ ولا تحصى، ومنها اختلاف الليل والنّهار، كقوله تعالى: {جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} الفرقان: ٤٧.
وإذا قارنا هذه الآية {لِتَسْكُنُوا فِيهِ} والآية {وَجَعَلَ الَّيْلَ سَكَنًا} الأنعام: ٩٦.
سكناً: جملة اسمية تدل على الثّبوت ولتسكنوا فيه: جملة فعلية تدل على تكرار وتجدُّد هذه النّعمة نعمة الجعل. أيْ: جعل نعمة الليل ثابتة وتتجدَّد وتتكرَّر في نفس الوقت. ارجع إلى سورة الأعراف آية (١٠) لمزيد من البيان في معنى الشكر.