سورة آل عمران ٣: ٤٣
{يَامَرْيَمُ اقْنُتِى لِرَبِّكِ وَاسْجُدِى وَارْكَعِى مَعَ الرَّاكِعِينَ}:
{يَامَرْيَمُ}: يا: النداء للبعد، نداء من جبريل -عليه السلام- إلى مريم عليها السلام.
{اقْنُتِى لِرَبِّكِ}: من القنوت، وهو لزوم الطاعة مع الخضوع، وأديمي له الطاعة والخضوع.
لربك: ابتغاء ربك: أخلصي له وحده العبادة، واللام: لام الاختصاص، وتدل على أنها على طريق القنوت، وعليها الاستقامة في السير عليه.
الرب: هو الخلاق، والمربي، والمطعم، والرزاق، والمدبر لشؤون خلقه وكونه.
{وَاسْجُدِى}: من السجود في الصلاة؛ أي: صلى (من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل)، ويضم سجود الشكر والتلاوة.
{وَارْكَعِى مَعَ الرَّاكِعِينَ}: صلي مع المصلين، ورغم أن الصلاة للمرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، ولكن مريم لم يكن لها بيت، أو منزل سوى بيت المقدس، والأصل أن يقول: واركعي مع الراكعات.
أولاً: جاء بصيغة الذكورة؛ لأن الراكعين تشمل الذكور والإناث، وفيه تغلب للذكور على الإناث، ورفع لمنزلة مريم على النساء بأن جعلها في درجة الرجال في قنوتها وصلاتها.
فالقنوت يشمل كل العبادات، فهو أكثر من السجود (الذي هو مرتين في الركعة الواحدة)، والسجود أكثر من الركوع (الركوع مرة واحدة في الركعة الواحدة)، فالتدرج هنا من الكثرة إلى القلة: القنوت- السجود- الركوع.
ثانياً: قدَّم السجود على الركوع رغم أن الركوع يسبق السجود؛ لأن السجود أفضل أركان الصلاة؛ لأن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، والسجود له منزلة عظيمة عند الله تعالى.
وإذا قارنا هذه الآية: {اقْنُتِى لِرَبِّكِ وَاسْجُدِى وَارْكَعِى مَعَ الرَّاكِعِينَ}، مع الآية (٧٧) من سورة الحج: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}: نجد التدرج في هذه الآية بعكس ما هو عليه في آية آل عمران فهو تدرج من القلة إلى الكثرة. الركوع-السجود- العبادة - فعل الخيرات.