سورة الروم ٣٠: ٩
{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}:
{أَوَلَمْ}: الهمزة: للاستفهام الإنكاري، والواو: لمطلق الجمع. ارجع إلى الآية السّابقة لمزيد من البيان. ولم يقل: أفلم يسيروا؛ الفاء: تستعمل إذا كان ما قبلها سبباً لما بعدها، وتسمى فاء السببية، أو تذكر الفاء مع الأشد توكيداً.
{يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ}: السير في الأرض؛ أي: السفر في الأرض، ولم يقل على الأرض؛ لأن الطبقة الغازية المحيطة بالأرض هي جزء من الأرض، وفي: ظرفية مكانية.
{فَيَنظُرُوا}: الفاء للتعقيب والمباشرة؛ أي: يسافروا من ديارهم للسياحة ومشاهدة آثار وديار الّذين جاؤوا من قبلهم فينظروا بأعينهم وببصيرتهم نظرة اعتبار، وهناك فرق بين يسيروا في فينظروا، أو ثم ينظروا، فينظروا: الفاء: تدل على المباشرة والترتيب، ثم: تدل على التراخي في الزمن؛ أي: يسيروا في الأرض لسبب ما مثل التجارة أو الدراسة وبعد ذلك يقوموا بزيارة الأماكن الأثرية التي تركها قوم عاد وثمود ولوط وفرعون وغيرهم.
{كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}: كيف: استفهام، وتذكير العاقبة دائماً في القرآن تعني العذاب؛ أي: كيف كان هلاك وعذاب الّذين من قبلهم من الأقوام كقوم عاد وثمود ولوط وفرعون، ولم يقل كيف كانت؛ لأن تأنيث العاقبة يعني: العاقبة الحسنة في القرآن.
{كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً}: كانوا أشد منهم؛ أي: من كفار قريش وغيرهم. أشد قوة في الجسم (البنية) والعدد والعتاد وطول العمر.
{وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا}: أي زرعوا الأرض وعمروها بالإنشاء والتعمير والبنيان، واتخذوا من الجبال بيوتاً وبنوا في كل ريع آيةً، والمصانع والقصور.
{وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا}: أي أكثر من عمارة أهل مكة.
{وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ}: وجاءتهم، ولم يقل وجاءَهم، جاءتهم (تاء التأنيث) تدل على الكثرة، وجاءَهم بالتذكير تدل على قلة الرّسل.
رسلهم: جمع رسول مرسل من الله، ولم يقل رسلنا؛ لأن (رسلنا) تدل على شدة الأحكام والتكاليف.
بالبينات: الباء للإلصاق، بالدلائل والبراهين والمعجزات الدّالة على صدق نبوتهم، وعلى وجوب الإيمان بالله وحده وترك الشرك.
{فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ}: الفاء: للتوكيد، وما: النّافية، ليظلمهم: اللام لتوكيد نفي الظلم؛ أي: لم يظلمهم الله شيئاً ولو مثقال ذرة؛ لأنه سبحانه غني عن ذلك.
{وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}: ولكن: حرف استدراك وتوكيد. كانوا: في الماضي المنقطع. أنفسهم: حصراً وقصراً، يظلمون أنفسهم بالخروج عن منهج الله تعالى، حيث كفروا وكذبوا بآيات الله تعالى، وأعرضوا وعصوا رسلهم، وتمادوا في بغيهم وطغيانهم ومعاصيهم، فظلموا أنفسهم حيث أوردوها التّهلكة والدمار، وقدّّم (أنفسهم) على (يظلمون)؛ أي: ظلموا أنفسهم خاصة.