سورة لقمان ٣١: ١٥
{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}:
{وَإِنْ}: الواو عاطفة، إن: شرطية تفيد الاحتمال أو ندرة الحدوث؛ أي: قلّما جاهداك، أو افترضنا جاهداك.
{جَاهَدَاكَ}: أي بذلا جهدهما أو غاية أو أقصى جهدهما على أن تشرك بي (بالله)، جاهداك من: جاهد، وجاهد تدل على أن هناك اثنين يجاهد أحدهما الآخر، بينما جهد تدل على المفرد الّذي يجهد بنفسه، بينما في سورة العنكبوت آية (٨) قال تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِى} المجاهدة أخف.
والمجاهدة في آية لقمان أشد؛ لأن الوالدين يشترطان على الولد الشّرك ولذلك جاء بعلى التي تفيد المشقة والعلو، واستعمل اللام في آية العنكبوت، وسواء في آية لقمان أو العنكبوت ذكر {بِى} لأن المقام مقام توحيد فلا يستعمل إلا ضمير المفرد.
{عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِى}: على: تفيد العلو والمشقة، والمجاهدة قد تعني المحاربة. أن: حرف مصدري يفيد التّعليل والتوكيد.
{تُشْرِكَ بِى}: أي حاولا صرفك عن طاعتي وعبادتي، أو أكرهاك على الشّرك.
{مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}: ما: للعاقل وغير العاقل، ليس: للنفي، به علم: أي لا تشرك شيئاً مهما كان من الشركاء سواء أتاك علم به أو لم يأتك.
{فَلَا تُطِعْهُمَا}: الفاء رابطة لجواب الشرط، لا: النّاهية، تطعهما: أي لا طاعة لمخلوق مهما كان في معصية الخالق. لا تطعهما في أيِّ أمر يخالف أمر الله ورسوله.
{وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}: وكل ما عدا ذلك فعليك بالمعروف إليهما؛ أي: استمر بالعطف عليهما بالمساعدة.
{فِى الدُّنْيَا}: أي في أمور الدنيا.
{مَعْرُوفًا}: نكرة؛ تعني أيَّ معروف مهما كان، والمعروف يمكن تقديمه لمن تحب ولمن لا تحب.
والمصاحبة نفسها تعتبر معروفاً، حتى مع حالة الكفر والشرك فلهما حق المصاحبة، ولا تتخذ من شركهما أو مجاهدتهما سبباً لك لقطع الرحم.
ولم يقل وصاحبهما بالمعروف: يدل على معروف معين أو بعينه، وإنما أطلقه؛ ليشمل كل معروف، فقوله: (معروفاً) أفضل وأشمل وأعم من قوله: بالمعروف.
{وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ}: سبيل: الطريق السهل. سبيل مفرد جمعه: سبل، وسبل السلام كثيرة.
من: ابتدائية، أناب إليّ: قيل: الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقيل: الصحابة أو سائر المؤمنين. أناب: رجع، والإنابة الرجوع إلى الطاعة؛ أي: اتبع سبيل التائبين الطائعين الموحدين.
{ثُمَّ}: للترتيب والتراخي في الزّمن.
{إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ}: إليّ خاصة لا إلى غيري، إليّ وحدي مرجعكم للحساب والجزاء.
{فَأُنَبِّئُكُمْ}: الفاء للتعقيب والمباشرة، أخبركم وأطلعكم.
{بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}: الباء للإلصاق، ما: اسم موصول بمعنى الّذي أو مصدرية، كنتم: في الدنيا. تعملون: تشمل الأقوال والأفعال؛ وتعني تعملون بالمعروف والإحسان أو تعملون من خير وشر.