سورة سبأ ٣٤: ٢٣
{وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ}:
المناسبة: في الآية السّابقة ذكر الآلهة وعدم ملكها ذرة في السّموات والأرض وليس لها شراكة فيهما.
{وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}: هذه الآية ردٌّ على من يزعمون أن الآلهة تشفع لهم عند الله، الواو: عاطفة، لا: النّافية، الشّفاعة: ارجع إلى الآية (٨٥) من سورة النّساء للبيان. ولا تنفع أو تقبل الشّفاعة، يوم القيامة للنفس المشفوع لها (وهي النّفس الّتي تنفعها الشّفاعة) عنده: عنده تعالى، إلا: أداة حصر، لمن: اللام لام الاختصاص، من: اسم موصول بمعنى الّذي، أذن له: من الملائكة أو النّبيين أو الصّالحين من النّاس، فالإذن هذا هو الشّرط الأوّل من شروط قبول الشّفاعة، أن يأذن له الله سبحانه للشافع حتّى يشفع للمشفوع له كما قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} البقرة: ٢٥٥، والشّرط الثّاني: أن يأذن للمشفوع له (أو النّفس المشفوع لها) بالشّفاعة، ومن شروط الإذن أن يكون أو تكون من أهل التّوحيد، إذن لا بدّ من إذن لمن أراد أن يشفع ولا بد من إذن لمن أريد الشّفاعة له، الشّرط الثّالث: هو لمن ارتضى: كما قال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَّلَكٍ فِى السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِى شَفَاعَتُهُمْ شَيْـئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} النّجم: ٢٦، وقوله تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} الأنبياء: ٢٨، أي: ارتضى بمعنى: أن يقبل الله هذه الشّفاعة حتّى ولو كان الشافع والمشفوع له أهلاً للشفاعة، ويبقى الحكم بالقبول لله تعالى وهذا تأكيد لإبطال شفاعة هذه الآلهة عند الله.
{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ}: حتّى: حرف نهاية الغاية، إذا: شرطية تفيد الحتمية، فزِّع عن قلوبهم؛ أي: كشفَ وأزيل عن قلوبهم الفزع: الخوف الشّديد المفاجئ مع توقع مكروه، هذا الفزع يحدث حين انتظار الإذن لمن يشفع؛ أي: للشافع وللمشفوع له فالكلّ قلق أيؤذن للشافع أم ترد شفاعته ولا يشفع، وما نتيجة الشّفاعة تقبل أو لا تقبل، والمشفوع له هل هو أهل للشفاعة أم لا، والانتظار والتّربص كلّ ذلك يؤدي إلى فزع الكلّ حتّى تتم الشّفاعة وتقبل وعندها يزول الفزع عن قلوبهم يقول بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم في الشّفاعة؟
{قَالُوا الْحَقَّ}: أي وهو الإذن بالشّفاعة لمن ارتضى: أي اختار.
{وَهُوَ}: ضمير فصل يفيد التّوكيد.
{الْعَلِىُّ}: فوق خلقه وقهره وجبروته. ارجع إلى سورة الحج الآية (٦٢).
{الْكَبِيرُ}: ارجع إلى سورة الرّعد الآية (٩).
وبعض المفسرين قالوا: إنّ الضّمير في قوله: "حتّى إذا فزّع عن قلوبهم" (أي قلوب الملائكة) فقد روى عبد الله بن مسعود عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السّماء صلصلة كجرّ (أي سحب) السّلسلة على الصّفا فيصعقون، فلا يزالون كذلك حتّى يأتيهم جبريل، فإذا جاءهم فزّع عن قلوبهم؛ أي: زال الخوف عن قلوبهم، فيقولون: يا جبريل، ماذا قال ربك؟ فيقول: الحق؛ أي: الصدق، فينادون: الحق الحق. رواه أبو داود والسيوطي والبيهقي وابن جرير.
وفي رواية أبي هريرة عن النّبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: إذا قضى الله عز وجل الأمر في السّماء ضربت الملائكة بأجنحتها خُضعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان (حجر أملس) فإذا فزّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: للذي قال الحق (الله) وهو العلي الكبير. رواه البخاري وأبو داود والترمذي.