سورة فاطر ٣٥: ١٣
{يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ}:
{يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ}: ارجع إلى سورة لقمان آية (٢٩) لمزيد من البيان.
يولج: يدخل والولوج أصعب من الدّخول، فيه معنى التماس والاختلاط أيْ: تعاقب الليل والنّهار الناتج عن كروية الأرض، وعن كونها تدور حول نفسها وحول الشّمس؛ مما يؤدِّي إلى تبادل الليل والنّهار، والنّهار والليل الضروري لاستقامة الحياة على هذه الأرض، وقدَّم الليل على النّهار؛ لأنّه هو الأصل أي: الظّلام.
{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}: التّسخير، أي: التّذليل للانتفاع بها فالشّمس مصدر للطاقة والدفء، وتعطينا حزمة الطيف المرئي من أشعة الشّمس الّتي تضيء بامتزاجها بالطبقة الغازية المحيطة بالأرض لتعطينا ضوء النّهار وأشعة الشّمس المهمة في كثير من الوظائف العضوية، وأمّا القمر فهو يعكس لنا ضوء الشّمس وهو يلعب دوراً مهماً في عملية المد والجزر المهمة في تفتيت الصخور وحركة الرياح ودوران الأرض حول محورها، ويستفاد من الشّمس والقمر في معرفة الزّمن: السّنة والشّهر واليوم والسّاعة.
لذلك كلّ آيات التّسخير جاءت بصيغة الماضي في كلّ القرآن بينما الإيلاج يتجدَّد في كلّ يوم، والتّكوير هو تعاقب الليل والنّهار.
وفي هذه الآية حذف كلمة لكم ولم يقل: وسخر لكم؛ لأنّ السّياق ليس في سياق تعداد النّعم، كما هو الحال في سورة النّحل آية (١٢) السّياق هنا في تعداد الآيات الكونية الدّالة على عظمة الله تعالى وقدرته، وأنّه الإله الحق الّذي يستحق أن يعبد وحده.
{لِأَجَلٍ مُسَمًّى}: اللام تفيد الانتهاء والاختصاص والتّعليل، أيْ: جريان الشّمس والقمر سوق يستمر حتّى يبلغا أجلهما المضروب لهما وهو يوم القيامة أو انتهاء زمن التّسخير.
أمّا قوله تعالى: {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} كما في سورة لقمان آية (٢٩) أي: الشّمس والقمر تجريان الآن في طريقهما للوصول إلى المنتهى، أي: المستقر.
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ}: ذلكم، ولم يقل: ذلك؛ للتعظيم والإشارة إلى فاعل كلّ تلك الأفعال من الخلق والتّسخير والإيلاج.
الله ربكم: الله المعبود واجب الوجود، ربكم: الخالق والمدبر والمسخر والمنعم، جمع الألوهية والرّبوبية معاً.
{لَهُ الْمُلْكُ}: له الحكم وله الملك وتقديم له يفيد الحصر والقصر له وحده لا يشاركه أحد.
{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ}: والّذين اسم موصول وتشمل الأصنام والأوثان والملائكة وعيسى وعزير أو الآلهة المزعومة.
تدعون: تعبدون، من دونه: من غيره أو سواه.
{مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ}: ما النّافية، يملكون: شيئاً من السّموات والأرض، وشيئاً نكرة، أيْ: مهما كان صغيراً (والشّيء هو أصغر الأشياء).
من: ابتدائية لبيان الجنس.
قطمير: الغشاء الشّفاف الّذي يحيط بالنّواة نواة التّمر.
وفي آية أخرى ذكر الفتيل، فقال سبحانه في سورة النّساء آية (٧٧) {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} والفتيل هو الخيط الّذي نجده في بطن النّواة.
وفي آية أخرى ذكر النّقير: فقال سبحانه في سورة النّساء آية (١٢٤) {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}: والنّقير هو تجويف صغير أو نقرة في ظهر النّواة.
إذن هذه الثّلاث: القطمير والفتيل والنّقير تضرب للشيء اليسير المتناهي في القلة، وكلها نجدها في نواة التّمرة الّتي جعلها الله موضعاً للمثل والعبرة.